الكاردينال بارولين: على أوروبا استعادة روح هلنسكي، ودعوة إلى مؤتمر أوروبي للسلام

عشتارتيفي كوم- أبونا/

شدّد أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين، أنّه أمام "الهمجيّة الجاريّة في أوكرانيا" و"التهديدات باستخدام الأسلحة النوريّة والتي تلوح في أفق العالم"، فإنّه يجب على أوروبا استعادة "روح هلنسكي"، واتباع "مسارات جديدة للسلام".

جاء هذا النداء بينما كان يتحدّث رئيس الوزراء الفاتيكاني في مؤتمر حول الحرب المستمرّة في أوروبا الشرقيّة، استضافته السفارة الإيطاليّة لدى الكرسي الرسولي في روما، بالتعاون مع وسائل الإعلام الفاتيكانيّة والمجلة الإيطاليّة الجيوسياسيّة "ليمز".

وهدف المؤتمر، الذي أتى تحت عنوان "أوروبا والحرب: من روح هلنسكي إلى آفاق السلام"، إلى مناقشة حلول دبلوماسيّة ملموسة لحرب يبدو أنّها وصلت إلى طريق مسدود مع عدم وجود احتمال لإجراء محادثات سلام خلال وقت قريب.

وترّكزت المناقشات على "إعلان هلنسكي"، وهو اتفاق تاريخيّ وقعته الدول الغربيّة والاتحاد السوفيتي عام 1975، في ختام مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا، بهدف تحسين العلاقات بين الشرق والغرب، ومن أجل خلق أسس جديدة للأمن والتعاون بين الدول الأوروبيّة.

عدم التعوّد على أهوال الحرب

بدأ الكاردينال بارولين خطابه محذرًا من خطر التعوّد على الحرب في أوروبا الشرقية.

وقال: منذ تسعة أشهر، منذ بداية العدوان من قبل جيش الاتحاد الروسي، ونحن نشهد "أخطاء" و"أهوال" هذا الصراع، لافتًا إلى أنّ النتيجة هي أننا اليوم "لا نولي أي اهتمام لأخبار سقوط صواريخ مدمّرة على البلاد، وموت العديد من المدنيين، وترك الأطفال تحت الأنقاض، ومقتل الجنود، والنازحين، والدمار لهذا البلد".

وفقًا للكاردينال بارولين، فإنّ بكاء البابا فرنسيس يوم 8 كانون الأوّل الحالي، خلال زيارته التقليديّة لتكريم السيدة العذراء في روما بمناسبة عيد الحبل بلا دنس، هي ترياق قوي ضد خطر "التعوّد واللامبالاة". ومن هنا تأتي الحاجة، تابع المسؤول الفاتيكاني، لتكرار نداء البابا لاستخدام كل الجهود الدبلوماسيّة للتوصّل إلى "وقف لإطلاق النار وإلى سلامٍ عادل".

خطر نشوب حرب نوويّة

وعلى الرغم من بعض "بصيص" للأمل في السلام الذي ظهر في الأسابيع الماضية، أعرب رئيس الوزراء الفاتيكاني عن أسفه لاستمرار التصعيد ومعه خطر اندلاع حرب نوويّة. وقال: "إنه لأمر مرعب أن يكون هناك حديث عن الأسلحة النوويّة والحرب الذرية كاحتمال. إنّ سباق التسلح المتسارع مثير للقلق، حيث يتم استخدام استثمارات ضخمة من الأموال للحرب، بدلاً من محاربة الجوع، وخلق فرص العمل، وضمان الرعاية الطبية الكافية للأشخاص الذين لم يحصلوا عليها من قبل".

إحياء روح هلنسكي

وعلى ضوء ذلك، أكد الكاردينال بارولين على ضرورة "أن نسأل أنفسنا ما إذا كنا نبذل قصارى جهدنا لوضع حد لهذه المأساة". وأشار في هذا الصدد إلى أنه على الرغم من أن خبرة هلسنكي العمليّة ومحادثات ضبط التسلح خلال الحرب الباردة لا يمكن أن تتكرّر في الظروف الحاليّة، فلا تزال هناك شروط لإحياء تلك الروح، داعيًا إلى "العمل بشكل خلاق".

قال: "نحن بحاجة إلى معالجة هذه الحرب والعديد من الحروب المنسية، بأدوات جديدة".

أضاف: "لا يمكننا تخيّل الحاضر والمستقبل على أساس العقليات القديمة: نحن بحاجة إلى تخيّل وبناء مشروع جديد للسلام والتضامن الدولي، ونذكر أنفسنا بأن العديد من البلدان تطلب أن يتم الاستماع إليها وتمثيلها. نحن بحاجة إلى قواعد جديدة للمعاهدات الدوليّة، والشجاعة للمراهنة على السلام وليس على حتمية الحرب. نحن بحاجة إلى "تهدئة" عسكرية شفهيّة".

مؤتمر سلام أوروبي جديد

ودعا الكاردينال بارولين أوروبا لكي تعمل من أجل مؤتمر سلام أوروبي جديد. فمن خلال القيام بذلك، قال بأنّها "قد تكون مرة أخرى منارة لحضارة تقوم على السلام والقانون والعدالة الدوليّة"، مؤكدًا على أنّ الكرسي الرسولي "مستعد لفعل كل ما في وسعه لتشجيع هذه العمليّة".

وفي تصريحات على هامش المؤتمر، جدّد الكاردينال بارولين استعداد الفاتيكان لتقديم طاولة للقاء بين الطرفين. وقال: "نؤمن بأنّ الفاتيكان يمكن أن يكون المكان المناسب لذلك، ولقد حاولنا إتاحة الفرص للجميع للالتقاء والحفاظ على التوازن قدر الإمكان، فهل نجحنا؟ من الصعب معرفة ذلك، لكنني أعتقد أن القصد هو إتاحة مجال يمكن للطرفين أن يجتمعا ويبدآن فيه حوارًا دون شروط مسبقة".

وأشار الكاردينال بارولين إلى أنه في حالة حدوث تغيير في السيناريو، "فعندما سيجتمع الطرفان، ستكون مسألة إنشاء منهجية عمل وإعطاء فحوى لهذه المنهجية". واستدرك بالقول: "يبدو أن الأطراف المعنية أكثر اهتمامًا بالسعي لتحقيق النصر من السلام"، مبينًا أن "السلام الناشئ عن النصر سيكلف ثمنًا باهظًا، إلا أننا نريد سلامًا يزدهر فيه الحق والعدالة".