عشتارتيفي كوم- سيرياك برس/
بقلم: دنحو بار مراد-أوزمن | مربي خاص ومستشار سابق في الوكالة الوطنية السويدية للتربية الخاصة
المقدمة:
يجب فهم الزيارة الرعوية للبطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني إلى طور عبدين في آب/أغسطس – أيلول/سبتمبر2025، باعتبارها أكثر من مجرد حدث كنسي. لقد كانت فعل حضور مشحون بالرمزية، يحمل دلالات عميقة لشعب وُسِم عبر قرون بالإبادة، والنفي، والتهميش.
أما بالنسبة لي، فقد كانت الزيارة ذات بعد شخصي عميق. عندما زار البطريرك قريتي الأم حبسوس، غمرتني مشاعر عميقة. لم يكن الأمر مجرد احتفال ليتورجي، بل لقاءً بين التاريخ والهوية والحضور الروحي الحي. هذه التجربة العاطفية كانت الدافع المباشر لكتابة هذه المقالة – محاولة للتأمل في مغزى الزيارة لشعبنا وكنيستنا ومستقبلنا.
الخلفية التاريخية
يقع طور عبدين في جنوب شرق تركيا، ويُعَدّ من أقدم المناطق المسيحية في الشرق الأوسط، وكان مركزاً للكنيسة السريانية الأرثوذكسية منذ أواخر العصور القديمة (Gabriel, 2014). وقد أدّت الإبادة الجماعية عام 1915 (سيفو) إلى مذابح وعمليات تهجير وانخفاض حاد في عدد السكان المسيحيين (Gaunt, 2006). واستمر النزوح خلال القرن العشرين، خصوصاً بين ستينيات وثمانينيات القرن الماضي، ما أدى إلى خلو العديد من القرى (Atto, 2011).
وقد اتسمت علاقة السريان/الآشوريين بالدولة التركية بالريبة والتمييز منذ تأسيس الجمهورية. ولم يحدث تحسن نسبي إلا خلال العقدين الأخيرين، حيث سُمِح بترميم بعض الأديرة ومنح اعتراف محدود بالحضور السرياني الأرثوذكسي (Üngör & Polatel, 2011).
القيادة بالمقارنة
تختلف البطريركية الحالية في عدة جوانب عن سابقاتها. فالأمثلة التاريخية تكشف ميلاً لدى القيادات الكنسية العليا إلى الانسحاب إلى أماكن أكثر أماناً في أوقات الصراع. فقد هرب البطريرك عبد الله صَدَدي من ماردين إلى القدس خلال أحداث سيفو عام 1915، بينما انتقل البطريرك زكا عيواص إلى بيروت مع بداية الحرب الأهلية السورية في العقد الأول من الألفية (Gaunt, 2020).
غير أنّ قيادة مار إغناطيوس أفرام الثاني تمثل خروجاً عن هذا النمط. فقد زار العراق أثناء هجمات تنظيم داعش، وسوريا في خضم الحرب، والآن طور عبدين، مؤكداً حضوراً رعويّاً ثابتاً في لحظات أشد الضعف (Syriac Press, 2025a). ويمكن تفسير هذه الاستراتيجية كخيار متعمد: فالمطلوب أن تكون الكنيسة فاعلاً حيّاً في موطنها التاريخي، لا مجرد مؤسسة في المنفى.
الزيارة إلى طور عبدين
شملت الزيارة أهم الأديرة: دير مار كبرئيل، ودير مار حنانيا (دير الزعفران)، ودير مار أوجين، إضافة إلى قرى مثل حاح، عين وردو، بيت قسطان، ميدو، وحبشوش. وفي كثير من هذه الأماكن، أقام البطريرك قداديس في كنائس تكاد تكون خالية اليوم، ما منح الزيارة بعداً رمزياً عميقاً (Syriac Press, 2025b).
وفي تصريحاته، شدّد على استمرارية الروابط الروحية رغم النفي والشتات:
“إن الرابط الروحي بين الكنيسة وشعبها يبقى ثابتاً رغم تحديات الزمن والهجرة.” (Syriac Press, 2025a)
وفي ختام زيارته، أكد على إمكانية العودة، مشيراً إلى التقدم المحلي والبنية التحتية:
“نرى تقدماً يشجع العائلات على العودة وإعادة البناء واسترجاع بيوتهم الأجدادية.” (Syriac Press, 2025c)
كما التقى بمسؤولين أتراك، بمن فيهم المحافظ وممثلون عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، في خطوة عكست تغيراً في خطاب السلطات التي قدّمت الحضور السرياني الأرثوذكسي باعتباره جزءاً من تنوع تركيا الثقافي.
ردود الفعل المحلية والاغترابية
حملت الزيارة أهمية معنوية كبيرة للسكان الباقين في طور عبدين. فقد وصفت شهادات من قرى مثل حاح وعين وردو الحدث بأنه تذكير بأنهم لم يُنسَوا. ونُقل عن أحد الشيوخ قوله “ظننا أننا وحدنا، لكن بطريركنا أظهر أننا ما زلنا جزءاً من الكل.”.”
أما في المهجر، فقد أثارت الرحلة اهتماماً واسعاً. ففي السويد وألمانيا، عبّرت منظمات شبابية عن فخرها بأن بطريركها زار أماكن عاش فيها أجدادهم وعانوا فيها. وبالنسبة لهم، شكّلت الزيارة جسراً بين واقع المنفى وتاريخ الوطن الأم.
التحليل
يمكن تحليل زيارة البطريرك في ثلاثة أبعاد مترابطة:
الاستمرارية التاريخية: من خلال زيارة الأديرة والقرى، حتى تلك شبه المهجورة، أكد أن الكنيسة لا تتخلى عن تراثها التاريخي.
الشجاعة الرعوية: بخلاف البطاركة السابقين، جسّد مار إغناطيوس أفرام الثاني نموذج قيادة مبنية على المخاطرة والانخراط المباشر.
الإشارة السياسية: دشنت الزيارة حواراً مع السلطات التركية وأظهرت استعداداً متبادلاً للاعتراف.
الخاتمة
ينبغي النظر إلى رحلة البطريرك إلى طور عبدين عام 2025 لا بوصفها حدثاً كنسياً فحسب، بل رمزاً لشعب مشتت يبحث عن جذور وأمل واعتراف. فمن خلال حضوره في منطقة موسومة بالكنائس الخاوية والصدمات التاريخية والتوترات السياسية، قدّم البطريرك نموذج قيادة يختلف عن الأجيال السابقة: قيادة لا تنسحب بل تصمد.
وعلى الصعيد الشخصي، كانت ذروة الزيارة بالنسبة لي حين زار قريتي الأم حبسوس. فقد لخّصت تلك اللحظة جوهر الرحلة: إعادة وصل بين الراعي الأعلى للكنيسة وأصغر القرى، بين التاريخ والحاضر، بين واقع المنفى وأمل العودة. وهذه التجربة بالتحديد هي ما ألهمني لكتابة هذه المقالة – فهي في آنٍ واحد تأمل شخصي ومحاولة للمساهمة في فهم أوسع للأهمية التاريخية والسياسية لهذه الزيارة.
المراجع
Atto, N. (2011). Hostages in the Homeland, Orphans in the Diaspora: Identity Discourses Among the Assyrian/Syriac Elites in the European Diaspora. Leiden: Leiden University Press.
Gabriel, A. (2014). Tur Abdin: Living Cultural Heritage of Assyrian Christians. LIT Verlag.
Gaunt, D. (2006). Massacres, Resistance, Protectors: Muslim-Christian Relations in Eastern Anatolia during World War I. Piscataway: Gorgias Press.
Gaunt, D. (2020). The Assyrian Genocide: Cultural and Political Legacies. Routledge.
Syriac Press (2025a). Syriac Orthodox Patriarch Mor Aphrem visits Tur Abdin and conducts prayers in historic monasteries. 29 Aug 2025.
Syriac Press (2025b). Patriarch Aphrem II continues pastoral visit to Tur Abdin visiting ancient churches and monasteries. 2 Sep 2025.
Syriac Press (2025c). Patriarch Aphrem II concludes pastoral visit to Tur Abdin with meeting at Mor Gabriel Monastery. 5 Sep 2025.
Üngör, U. Ü. & Polatel, M. (2011). Confiscation and Destruction: The Young Turk Seizure of Armenian Property. London: Continuum.