في عالم يركض بخطى متسارعة، وتسيطر عليه شاشات الهواتف الذكية وسيل من المعلومات اللحظية، يتبادر إلى الذهن سؤال جوهري: هل الثقافة ما زالت مرغوبة في يومنا هذا؟ هل يخصص الناس وقتاً للقراءة، والفنون، والتفكير النقدي، أم أن هذه الممارسات أصبحت ترفاً لم يعد له مكان في حياتنا العصرية؟
الإجابة على هذا السؤال ليست ببساطة "نعم" أو "لا". فالثقافة في يومنا هذا ليست غير مرغوبة، بل تغيرت طريقة التفاعل معها.
الثقافة، في جوهرها، هي المعرفة والفهم العميق للحياة والإنسان. ورغم أن أشكالها التقليدية قد تبدو أقل حضوراً، إلا أنها لم تختفِ.
أن الثقافة لم تمت، بل ارتدت ثوبًا جديدًا يناسب العصر الرقمي. في الماضي، كانت الثقافة مرتبطة بمكان محدد وأسلوب معين:
أما اليوم، ومع التكنولوجيا، فإن هذه الأشكال التقليدية لم تعد حكراً على مكان مادي. الثقافة اليوم صارت:
لذلك، "الثقافة ليست غير مرغوبة، بل تغير شكلها"، وأن الرغبة في المعرفة والفن لا تزال موجودة، ولكن طريقة الوصول إليها واستهلاكها تغيرت لتصبح أسرع وأكثر مرونة وتنوعًا.
هل الثقافة في حالة إهمال ونسيان؟
قد يبدو للوهلة الأولى أن الاهتمام بالثقافة قد تراجع. ففي السابق، كانت المكتبات العامة تعجّ بالزوار، والمنتديات الأدبية تزدهر، والناس يتناقشون في أحدث الإصدارات الفكرية. أما اليوم، فنجد أن الانشغال بوسائل التواصل الاجتماعي ومتابعة الأخبار العاجلة قد طغى على اهتمامات الكثيرين.
ولكن، هل هذا يعني أن الثقافة أصبحت في حالة إهمال ونسيان فعلي؟ الأمر ليس كذلك تماماً. إن ما يحدث هو تحول في طبيعة الاهتمام، وليس اختفاءه. الاهتمام بالثقافة اليوم لم يعد محصوراً في الأشكال التقليدية.
هذه التحولات تظهر أن الرغبة في الاستهلاك الثقافي لم تتراجع، بل انتقلت إلى منصات جديدة أكثر سهولة ووصولاً.
التحدي يكمن في عمق الثقافة لا في وجودها
التحدي الحقيقي الذي يواجه الثقافة اليوم ليس في مدى رغبتنا فيها، بل في مدى عمقها. مع انتشار المعلومات السريعة، قد يكتفي الكثيرون بمعرفة سطحية أو عناوين عابرة.
خلاصة القول: الثقافة مرغوبة ولكن...
إن الثقافة في يومنا هذا مرغوبة ومتاحة للجميع أكثر من أي وقت مضى. الرغبة في المعرفة والفن لم تمت، بل تغيرت قنواتها. لكن التحدي يكمن في كيفية تحويل هذه الرغبة من مجرد استهلاك سريع إلى فهم عميق.
علينا أن ندرك أن الثقافة ليست مجرد ترف أو هواية، بل هي ضرورة لتكوين شخصية واعية وقادرة على فهم العالم من حولها. إن بناء مجتمع مثقف لا يعني بالضرورة العودة إلى أشكال الماضي، بل يعني استغلال أدوات الحاضر لخلق جيل يفكر، ويتأمل، ويقدر المعرفة بعمق. الثقافة اليوم لم تعد في الكتب فقط، بل في الطريقة التي نفكر بها ونحلل بها المعلومات التي تأتينا من كل حدب وصوب.