امرأة تحمل طفلها حديث الولادة في مستشفى بومونت بولاية ميشيجان الأميركية. 1 فبراير 2022 - REUTERS
عشتارتيفي كوم- الشرق/
ذكرت دراسة علمية أن ملامسة الجلد المباشرة بين المولود وأمه فور الولادة تمنح الطفل بداية أفضل في الحياة، وتحسّن عدداً من المؤشرات الصحية المهمة، بحسب مراجعة منهجية محدّثة أجراها فريق بحثي تابع لمؤسسة "كوكرين" الدولية.
وأكدت الدراسة أن هذه الممارسة البسيطة، التي تُعرف باسم "الملامسة الجلدية المباشرة"، تسهم في تحسين الرضاعة الطبيعية الحصرية، وتنظيم درجة حرارة الجسم ومستويات السكر في الدم لدى المواليد، مقارنة بالأطفال الذين لا يحظون بهذه التجربة.
وأوضحت الدراسة أن وضع الطفل عارياً على صدر الأم المكشوف مباشرة بعد الولادة يساعده على التكيف مع الحياة خارج الرحم، إذ يحافظ على دفئه، ويقلل من التوتر والبكاء، ويساعد في تنظيم الوظائف الحيوية مثل التنفس وضربات القلب.
وأشارت النتائج إلى أن الأطفال الذين حظوا بتلامس جلدي مع أمهاتهم خلال الساعة الأولى من الولادة أظهروا مؤشرات صحية أفضل بوضوح من أولئك الذين لم يحصلوا على هذه الفرصة.
هل تقتصر فوائد الملامسة الجلدية المباشرة على الأطفال فقط؟
أكد الباحثون أن فوائد الملامسة الجلدية المباشرة ليست مقتصرة على الأطفال فحسب، بل تمتد لتشمل الأمهات أيضاً، رغم أن الأدلة المتعلقة بتأثيرها على فقدان الدم أو توقيت خروج المشيمة كانت أقل وضوحاً.
وأشارت النتائج إلى أن الأمهات اللاتي بدأن الملامسة الجلدية فور الولادة كنَّ أكثر قدرة على إرضاع أطفالهن طبيعياً بشكل حصري خلال الأشهر الستة الأولى من حياة الطفل، وهي ممارسة تعود بالنفع على صحة الأم والطفل على حد سواء، فضلاً عن تقليل الأعباء الصحية على الأنظمة الطبية.
وكشفت الدراسة أن نحو 75% من الأطفال الذين تلقّوا ملامسة جلدية مبكرة مع أمهاتهم كانوا يرضعون طبيعياً بشكل حصري بعد مرور شهر على الولادة، مقارنة بنسبة 55% فقط بين الأطفال الذين لم يخوضوا التجربة.
وأوضحت النتائج أن المواليد الذين استفادوا من هذه الممارسة أظهروا مستويات أكثر استقراراً في السكر بالدم، ودرجات حرارة جسم أكثر اتزاناً، وتنفساً أكثر انتظاماً، فضلاً عن معدلات نبض قلب صحية.
وأظهرت المراجعة أن الملامسة الجلدية الفورية تُعد تدخلاً بسيطاً وآمناً وفعالاً في الوقت نفسه، يمكن تطبيقه بسهولة دون الحاجة إلى تجهيزات أو تكاليف إضافية، لكنها رغم ذلك لا تطبق بشكل كافٍ حتى في الدول ذات النظم الصحية المتقدمة.
وبينت الدراسة أن كثيراً من المستشفيات لا تزال تفصل بين الأم ووليدها مباشرة بعد الولادة لإجراء فحوص روتينية كوزن الطفل وفحصه الجسدي وتحميمه، مما يحرم الأم والرضيع من فوائد تلك اللحظات المبكرة.
معيار عالمي للرعاية بعد الولادة
دعت الدراسة إلى تغيير هذا النمط من الممارسات الطبية، مؤكدة أن ملامسة الجلد المباشرة يجب أن تُعتبر معياراً عالمياً للرعاية بعد الولادة.
وأوصى الباحثون بعدم إجراء المزيد من التجارب العشوائية التي تقارن بين الملامسة الجلدية والرعاية التقليدية التي تتضمن الفصل بين الأم والطفل، لأن مثل هذه الدراسات لم تعد أخلاقية في ضوء الأدلة القاطعة على فائدة الملامسة المباشرة.
وشددت الدراسة على أن منع الملامسة الجلدية بعد الولادة بات يُعد ممارسة غير أخلاقية، نظراً إلى أن الأدلة أصبحت كافية لإثبات فوائدها الكبيرة في تحسين صحة المواليد وزيادة فرص بقائهم على قيد الحياة.
"الملامسة الجلدية الفورية بعد الولادة تؤدي إلى زيادة فرص نجاح الرضاعة الطبيعية الحصرية"
كارين كادويل، المؤلفة الرئيسية للدراسة
وذكرت المؤلفة الرئيسية للدراسة، كارين كادويل، المديرة التنفيذية لمركز الأطفال الأصحاء في مشروع الرضاعة، أن الامتناع عن هذه الممارسة أصبح غير مبرر أخلاقياً، لأن حرمان المولود من الاتصال المباشر مع أمه قد يحرمه من فرصة حياة أفضل، وربما يعرّضه لمخاطر صحية كان بالإمكان تفاديها.
واستشهد الباحثون بتجارب سابقة أُجريت في مستشفيات في الهند وإفريقيا، حيث تم إيقاف إحدى التجارب الكبرى بعد ظهور بيانات أولية تؤكد أن الملامسة الجلدية الفورية تحسّن معدلات بقاء الأطفال منخفضي الوزن على قيد الحياة بشكل ملحوظ.
وبيّنت الدراسة أن مثل هذه النتائج تجعل استمرار أي تجربة تحرم الأطفال من هذا النوع من الرعاية أمراً غير مقبول علمياً ولا إنسانياً.
وسلطت الدراسة الضوء على أن المراجعة الجديدة تأتي استكمالاً لتحديث أجري عام 2016، والذي استندت إليه أكثر من 20 جهة عالمية في صياغة إرشاداتها الطبية، من بينها منظمة الصحة العالمية.
وأضافت النسخة الأحدث 26 دراسة جديدة إلى قاعدة البيانات، ليصبح إجمالي عدد التجارب التي تم تحليلها 69 تجربة شملت أكثر من سبعة آلاف زوج من الأمهات والرضَّع، أُجريت معظمها في بلدان ذات دخل مرتفع.
ما أبرز فوائد الملامسة الجلدية الفورية بعد الولادة؟
كما أوضحت النتائج أن ممارسة الملامسة الجلدية الفورية بعد الولادة تؤدي إلى زيادة فرص نجاح الرضاعة الطبيعية الحصرية، وهي النتيجة التي ترتبط بمجموعة من الفوائد الصحية طويلة الأمد مثل تقوية جهاز المناعة، وتقليل خطر العدوى، والمساعدة في بناء الروابط العاطفية بين الأم والطفل، فضلاً عن تقليل احتمالات الاكتئاب بعد الولادة.
ورغم وضوح الفوائد، لاحظ الباحثون أن الممارسة لا تزال غير منتشرة بما يكفي في كثير من المؤسسات الطبية، إذ تستمر بعض وحدات الولادة في اتباع البروتوكولات القديمة التي تعطي الأولوية للفحوصات والإجراءات الطبية على حساب التواصل الإنساني الأولي بين الأم وطفلها.
ولفتت الدراسة إلى أن هذه الممارسة البسيطة لا تحتاج إلى تجهيزات خاصة، بل تعتمد فقط على إتاحة لحظات الالتحام الجسدي بين الأم ووليدها بعد الولادة مباشرة، دون انقطاع حتى بعد انتهاء الرضاعة الأولى.
وشدد الباحثون على أن أي تأخير أو فصل بين الأم وطفلها في هذه المرحلة الحساسة يفقد المولود فرصة ثمينة للتكيف مع بيئته الجديدة.
وأكد الفريق العلمي أن الأدلة الداعمة للملامسة الجلدية أصبحت قوية بما يكفي لتغيير ممارسات الرعاية الصحية على المستوى العالمي، داعياً إلى دمجها في بروتوكولات الولادة كإجراء أساسي وليس اختيارياً.
ونوّه إلى أن منظمة الصحة العالمية كانت قد أوصت بالفعل بهذه الممارسة ضمن معايير الرعاية المثلى بعد الولادة، لكن تطبيقها العملي لا يزال متفاوتاً بين الدول.
وركزت المراجعة على أهمية الانتقال من مرحلة إثبات الفائدة إلى مرحلة التطبيق العملي، إذ ينبغي أن توجه الجهود البحثية القادمة إلى تحسين جودة الدراسات وتطوير أساليب التنفيذ والمتابعة في البيئات المختلفة، بدلاً من إعادة اختبار التدخل نفسه.
وأوصى الباحثون بالتركيز على فهم العقبات التي تعيق التطبيق الكامل لهذا الإجراء في المستشفيات والمراكز الصحية، والعمل على تجاوزها عبر التوعية والتدريب.
حجر الأساس لصحة الطفل النفسية في المستقبل
وأشارت الدراسة كذلك إلى أن أغلب الأبحاث المدرجة في المراجعة أُجريت في دول مرتفعة ومتوسطة الدخل، بينما لم تتضمن أي دراسات من الدول منخفضة الدخل، وهو ما يمثّل فجوة معرفية يجب سدها في المستقبل.
وبيّن الفريق البحثي أن أهمية الملامسة الجلدية قد تكون أكبر في البيئات محدودة الموارد، حيث يمكن أن تُحدث فارقاً حاسماً في معدلات بقاء الأطفال على قيد الحياة.
ونبّه الباحثون إلى أن التأثير الإيجابي للملامسة الجلدية لا يقتصر على النتائج الفسيولوجية فقط، بل يمتد إلى الجوانب النفسية والعاطفية، إذ تعزز هذه اللحظات الأولى بين الأم وطفلها مشاعر الأمان والثقة، وتسهم في تقوية العلاقة الوجدانية بينهما.
وأشاروا إلى أن هذا الارتباط المبكر يعد حجر الأساس لصحة الطفل النفسية في المستقبل، لأنه يرسّخ إحساسه بالانتماء والأمان منذ اللحظات الأولى لحياته.
وبيّنت الدراسة أيضاً أن الملامسة الجلدية المباشرة يمكن أن تخفّض من مستويات هرمون التوتر "الكورتيزول" لدى الطفل والأم على السواء، ما يجعلها وسيلة طبيعية لخفض الضغط النفسي بعد الولادة، كما تسهم في استقرار معدلات الأكسجين في دم الرضيع وتحسين إيقاع تنفسه بشكل تدريجي، وهي عوامل مهمة في الساعات الأولى من الحياة خارج الرحم.
وركز الباحثون على ضرورة توعية العاملين في مجال الصحة بمدى أهمية هذا الإجراء البسيط، مؤكدين أن تغيير ثقافة غرف الولادة يحتاج إلى فهم عميق للدوافع الطبية والإنسانية وراءه، وليس مجرد تطبيقٍ روتينيٍ لبروتوكولٍ جديد.
وختموا بالقول إن نجاح هذه الممارسة يعتمد بالأساس على تعاون الفرق الطبية مع الأمهات وتشجيعهن على طلب الملامسة المباشرة كحق طبيعي لهن ولأطفالهن.