

في أسفار العهد الجديد غالباً ما يدور الحديث عن يسوع المسيح، ومن بعد صعدوه إلى السماء يكثر الكلام عن الروح القدس. اما عن الله الآب فقليلة هي المساحة المخصصة له ، لهذا لا نعرف عنه كثيراً. شعر الرسول فيلبس بهذه الحقيقة فطلب من يسوع وقال: إرنا الآب وحسبنا. " يو 8:14". ويسوع قال عن حقيقة سر معرفة الإنسان للآب، فقال: لا أحد يعرف الآب ... . " مت 27:11". وحتى في صلاة قانون الإيمان النيقي الذي يبدأ بالتحدث عن الله الآب أولاً فالكلام عنه قليلاً قياساً بما كتب عن الإبن. فهل نستطيع البحث عن أسرار الله الآب لكي نكتب عنه الكثيرعلماً بأنهُ من الآب يستمد إسم كل أبوة في السماء وعلى الأرض، وأمامه تجثو ركبنا ( طالع أف 14:3). لا نستطيع أن نتحدث عنهُ كثيراً إلا المُعلَن لنا عن طريق يسوع الذي لهُ الآب، ولا أحد رأى الآب إلا الإبن، لهذا عندما كان يتحدث يسوع عنه، كانت تنفتح عيون تلاميذه واسعةً، وكل هدف يسوع في رسالته للعالم هو أن يعرفوا الآب، لهذا عندما تحدث مع الآب في ختام كرازته، قال له:
لقد عرفتهم إسمك وسأعرفهم فتكون فيهم المحبة التي بها أحببتني. " يو26:17". كما قال: يجب أن يعرف العالم إني أحب الآب . قال ذلك وهو ماضي إلى الآلام، ثم أضاف قائلاً : قوموا لننطلق من ههنا!. " يو 31:41".
كيف نحاول الدخول في كلام عن الآب معتمدين على الأضواء التي سلطت عليه في أسفار العهد الجديد؟
لنبحث أولاً عن محبة الله الآب لنا. يقول الكتاب: أنه ما زلنا خطأة ، أن الله لم يضن بإبنه، بل أسلمهُ إلى الموت من أجلنا جميعاً. " رو 32:8". فالله إذاً أظهر محبتهِ لنا إذ سلّمَ إلى الموت إبنهِ الوحيد. فالمسيح مات لا ليظهر محبة الآب لنا فحسب، بل أظهر قساوة الآب أيضاً، كما أظهر عدلهِ الإلهي الذي لا يلتوي.
حقاً أن معرفة الآب قد حُجِبَت عنا، وقد أقر يسوع بهذه الحقيقة بأسى، قائلاً للآب. أَيُّهَا الآبُ الْبَارُّ، إِنَّ الْعَالَمَ لَمْ يَعْرِفْكَ... ." يو 27:17 ".
الآب دفع يسوع إلى الموت بسبب محبته لبني البشر، فكان على يسوع أن يحتمل المخطط الإلهي، فصراخه في ليلة الآلام الموجه إلى الآب لكي يبعد عنه كأس الغضب، الآب لم يرد عليه، بل كان على يسوع أن يحتمل غضب أبيه وعدله. كان في تلك الساعة يتألم، ويعرق دماً، وأبوه لا يهدأ. في تلك الساعة الآب أظهر لابنهِ وجهاً مليئاً بعدالةٍ غاضبة وهو ينظر إليه بنظرة عطشٍ إلى الانتقام. ومجمل هذه التضحية حقيقتها نابعة من وحدة الإرادة الإلهية بين الأقانيم الثلاثة. فما إرادة الآب، الإبن أيضاً إرادة، وبحسب إرادته تقدم طوعاً ليصبح الضحية. وبما أن الآب في الإبن، والعكس صحيح، لهذا لم تكن قساوة الآب تلك ضد ابنهِ فقط، بل ضد ذاته أيضاً من أجل خلاص الإنسان الذي خلقه على صورته ومثاله من العدم.
إذاً الأقانيم الإلهية الثلاثة تألمت معاً من أجل الإنسان. وحتى في اسفار العهد القديم نجد أن الله قد ( حزن في البرية ) " مز 41:78". فالله في كل تلك الأسفار كان يتشكى بحزن، فكان يعبّر عن موقفه بصرخة قائلاً:
يا شعبي، يا شعبي! يا شعبي، ماذا صنعت لك؟ وبما أتعبتك؟ إجبني. " مي 3:6". والسبب العميق لهذا التشكي هو محبته الصادقة التي أُهينت من قبل شعبه وبإستمرار، لهذا قال:
إني ربيت بنين وكبرتهم، لكنهم تمردوا عليَ. " أش 2:1".
الله لم يحزن لأجل ذاتهِ، بل لأجل الإنسان الذي يهلك، فحزنهِ كان بدافع محبتهِ لهذا لم يشأ أن يهجر شعبه أو يفنيهم، إنما كان يؤدبهم ليعودوا إليه، لهذا قال لهم : كيف أهجرك يا أفرائيم؟ وكيف يسلمك يا إسرائيل؟ ... قد إنقلب في فؤادي وإصطدمت أحشائي. لا أطلق جدة غضبي. " هو11: 8-9". غاية الله الآب من عقاب الإنسان هي لكي يعيده إليه ويطهره من آثامهِ.
عندما نريد البحث في موضوع من هو الله الآب. فالآب تحدثت عنه أسفار العهد القديم كثيراً. عكس ما تحدثت عن إبنه، والعكس صحيح في أسفار العهد الجديد التي تتحدث عن يسوع منذ تجسده إلى عودته إلى عرشه السماوي . وبعد ذلك يبدأ الحديث عن الإقنوم الثالث الذي حل في الكنيسة ودخل في كل أسرارها. فعلينا إذاً أن نركز في بحثنا على كل الأسفار لنكتشف حقيقة وجود الآب والإبن والروح القدس.
ولإلهنا المثلث الأقانيم المجد دائماً.
توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) " رو 16:1"