للباذنجان فوائد ومنافع ومصائب وهو نديم السلطان ولكنه في مرات منافق ، تغزل العراقيون بمُعَلقة الباذنجان ايام الحصار الاقتصادي ، وكتب امير الشعراء أحمد شوقي قصيدة نديم الباذنجان، ورؤية الباذنجان في المنام يدل على علامة السعادة، ويعرف الباذنجان أنه نبات عشبي حولى من الفصيلة الباذنجانية ، نوع من أنواع الخضروات الموسمية الشائعة يستخدم في الكثير من الطبخات الطيبّة ، وله طعم لذيذ وطيب. اطلق الاوروبيون على الباذنجان عدة اسماء غريبة عندما تعرفوا عليه في القرن الثامن للميلاد، مثل (التفاحة المجنونة) و ( نبتة البيضة)، و استخدموا اسمه اللاتيني الذي يعني (البيضة الفاسدة) لسنوات طويلة . أطلق الاميركيون وسكان المستعمرات في نيوزيلندا واستراليا في القرن الثامن عشر على الباذنجان اسم (ايك بلانت) أي (بيضة الارض) لأنه يشبه البيض شكلا وحجما، استلهم الانجليز اسم (وبرجين) واستخدمه الفرنسيون ايضا و يعود اصل الاسم الى الاسبانية ، وفي سريلانكا والهند اسمه (برينجال) الاسم المستخدم حاليا ويطلق عليها الناس ايضا اسم (مالونجين) في جزيرة الكاريبي، واسمه باللغة السنسكريتية (فاتين جانا)، وبعد انتقاله الى ايران اصبح (بادنجان)، وبعد ان استوحاه العرب اصبح (الباذنجان).
والبَاذِنْجَان هي التسمية الأكثر شيوعا للنبات ، بحسب أدي شير فإن الاسم أصله سرياني وكذلك يسمى (الأسود العجمي)، أما موطن نبات الباذنجان الاصلي فهو من الهند ثم أنتشر إلى أمريكا وثم إلى دول أوروبا ثم إلى أسيا وأفريقيا ، يتميز الباذنجان عن غيره من الخضروات بأشكاله وأحجامه وألوانه وكذلك استخداماته المتنوعة، ولا يؤكل نبات الباذنجان نيئ بل بعد الطهي لان طعمه مر قبل الطبخ، وأنواع الباذنجان حول العالم منها، الباذنجان الهندي يتميز بمذاق حلو وثمرته صغيرة الحجم ومستديرة ناعمة الملمس ولونه أحمر ولا يحتاج إلى تقشير وهو يشبه ثمار الباذنجان الرومي في مصر، والباذنجان الصيني لونه من البنفسجي إلى الأرجواني وطعمه أفضل وجلده لين لذلك فهو نادرا ما يتم تقشيره و الباذنجان الأمريكي يتميز بكبر حجم ثمرته ولونه بنفسجي داكن وله شكل كمثري والباذنجان الإيطالي وهو مشابه للأمريكي وإن كان أصغر حجما منه والباذنجان الياباني يمتاز بشكل أسطواني وتتنوع ألونه بين الفاتح والداكن إلى الأسود وجلده رقيق وطعمه لذيذ والتايلاندي يتميز في لونه الأخضر وهو أكثر مرارة أيضا من الأنواع الأخرى لذلك يجب إزالة البذور قبل تناوله ويتميز بشكل مستدير والباذنجان الأبيض يتميز هذا بلونه الابيض وثماره صغيرة الحجم رفيعة وينتشر في مصر .
كتب الكاتب السورى «فاروق مردم بك» بكتابه مطبخ زرياب عن الباذنجان (كثيراً ما أهان عظماءُ هذا العالم الباذنجان بسخريتهم اللاذعة ويبدو لى أنّ السبب الأول فى تحاملهم عليه هو شعورهم الطبقي لأن هذه الثمرة السوداء لطالما كان لها شعبية بين الفقراء).
فالرازى فى كتاب (منافع الأغذية ودفع مضارها) يزعم أن الباذنجان (رديء للعين والرأس ويولد دماً أسود) والإكثار منه يسبب التهاب العينين والبواسير، إلا أنه أشار إلى بعض منافعه ومنها أنه يناسب أصحاب المعدة الضعيفة.
وبعض العلماء اتهموا الباذنجان بالتسبب بالجنون. وهكذا أصبح الباذنجان فى نظر أدعياء العلم أكثر الثمار ضرراً،
وبعضهم ذهب إلى القول إن أصل كلمة باذنجان « باض الجان » وقد رافقت هذه السمعة السيئة الباذنجان فى رحلته
إلى أوروبا ومنعته إنجلترا فى القرن السادس عشر.
وسوء الطالع لاحق الباذنجان قديما فى تركيا عندما تحمل الباذنجان مسؤولية الحرائق الخمسمائة التى شبت فى إسطنبول فى العصر العثماني والسبب أن جميع سكان المدينة فى فصل الباذنجان كانوا يشعلون النار أمام منازلهم لشوي الباذنجان دون الاكتراث للريح القوية التي تعرف حتى يومنا هذا باسم ريح الباذنجان، ففي ذلك الزمان لم يكن لاسطنبول فرقة للإطفاء، بل كان كل ما لديها أفراد يحملون على ظهورهم مضخات الماء، ويهرعون عدْواً الى موقع الحريق، وكل منهم يجاهد ليصل الى موقع الحريق قبل غيره .
وقديماً كان المصريون القدامى يعتقدون الباذنجان من النباتات التي تسبب الصرع والجنون ، وعرفه الفرنسيون في عام 1760 ميلادي ولم يأكلوه إلا في عام 1795 ، بل كانوا يستخدمونه للزينّة.
في العراق اشتهر الباذنجان اثناء فترة الحصار الاقتصادي ، وسمّي الباذنجان بوحش الطاوه (اي المقلاة) لأنه كان رخيص الثمن ويحتوي على مواد غذائية مفيدة فكثر استعماله كوجبة غذائية في تلك الفترة الاقتصادية الصعبة والقصيدة تعتبر على سبيل المزاح أحدى المعلقات الشهيرة (قصيدة عراقية لعشاق الباذنجان) .
أسود سواد الليل والزلف أخضر ...جسمك جلد روغان والريحه عنبر
بالمحشي والتركيب بالمرگه شفناك ... تموت كل الناس من بعد فرقاك
يروح السمك والبيض واللحم فدوه ... لعيونك يابو الشدات بس إنت قدوه
بالدهن لوحطوك نشفته كله ... صعد الدهن ياناس ربالي عله
أسود بعين الناس وبعيني بني... واحد من أهل البيت حسبتك إبني
هم طرشي هم تگلاه هم شيخ محشي... مثل الذهب ياناس بالعلوه يمشي
لو غبت ساعه ياناس المعده قالت ... جيبولي بيذنجان الفرگه طالت
غلطان أنا ظنيت بالشتاء أنساك ... أسمك نبت بالعين والطاوه وياك
لو صعد الدولار هم أنت أجود ... حسبالك الباذنجان الذهب الأسود
شگد حاول العدوان يفرض حصاره ... مايدري وحش الليل سواله جاره
يالدزك الرحمن للناس رحمه ... أتخيلك باليل بالطاوه لحمه
كافي بعد ياناس ماأگدر أحجي ... لو شفت الباذنجان الليله أبجي
تغمرنني سعادة لا توصف وفرحة عارمة عندما يكون شراء الباذنجان مطلبا عائليا لتحضير صينية الباذنجان بالفرن، وتربطني معه علاقة ودية من باب الشفقة بالباذنجان وأكون اول المدافعين عن الخرافات المتهم بها، التي تقول انه يسبب ارتفاع درجات الحرارة والصرع وإطلاق مواصفات شيطانية سيئة عليه لتخويف الناس من استخدامه، وأعداء الباذنجان لو عرفوا ان له وصفات عديدة وفوائده كثيرة فأنهم سيؤسسون احزابا للدفاع عنه كما تقول الدكتورة المصرية امال رخا خبيرة علم الاغذية: فالباذنجان يزيد الشهوة الجنسية لدى الرجال والنساء وتناوله بصفة مستمرة في الوجبات الرئيسية يقضي على البرود والضعف الجنسي، ونظرا لفوائده العظيمة في هذا الشأن أطلق عليه اسم (فاكهة الحب)، وأن الألياف الموجودة في هذا النبات تعمل على تحفيز مراكز الإثارة في المخ وبالتالى يتهيأ
الرجل أو المرأة لممارسة العلاقة الزوجية، وحتى تتحقق الفائدة كاملة يرى العلماء تناوله مسلوقا أو متبلا، ولا يفضل قليه في الزيت لأنه يفقد الكثير من فوائده المؤججة للعواطف، ولتحقيق أقصى استفادة أكله مسلوقا ومضافا إليه الملح والليمون).
مكانة الباذنجان كانت عالية جداً عند العرب ويكفي معرفة أنه يستخدم من المحيط إلى الخليج، ففي بلاد الشام يقال للباذنجان أنه يقيم في (بيت أبيه) وأول ما يخطر في البال المكدوس، والبابا غنوج، والإمام بايلدي، والمصقعة، والمقلوبة وفي المغرب يعد طاجن المغرب الأقصى من اطيب الاكلات، وينصح المتذوق بتذوق مربى الباذنجان الذي يطهى على مرحلتين أولاً في الماء المغلي، وثانياً في قطر السكر بعد أن يغرس في كل باذنجانة مسمار من القرنفل.
يستخدم الباذنجان من اليابان الى اسبانيا بكثرة ك(يخنة) أي يطبخ ببطء على نار هادئة ويلجأ الكثير من الآسيويين الى شواء الباذنجان للتخلص من قشرته لتحضير طبق (البابا غنوج) (متبل الباذنجان) اللبناني، حيث يخلط الباذنجان مع الليمون والطحينة ليشكل اشهر الاطباق.
وأكلة المقلوبة مشهورة في دول عربية كثيرة منذ زمن بعيد، حيث أنها كانت تسمى (الباذنجانية) نسبة إلى الباذنجان ، وهو المكون الأساسي فيها ، إلى أن جاء يوم فتح مدينة القدس على يد القائد صلاح الدين الأيوبي ودخوله وجنوده المدينة المقدسة، واحتفالاً بهذا النصر والفتح قام أهل مدينة القدس بتقديم الطعام إلى صلاح الدين وجنوده كعادة المسلمين في هذه المناسبات، وعندما أكل صلاح الدين من أكلة (الباذنجانية) أعجبته كثيراً فسأل عن اسم هذه الأكلة واصفاً إياها ب(الأكلة المقلوبة)، حيث كان من العادة أن تقلب في أواني التقديم (الصواني) أمام الضيف، فقيل له أنها تسمى الباذنجانية، ومن هنا جاء تسميتها (المقلوبة) كما أطلقه عليها القائد صلاح الدين الأيوبي.
كتب حسين علي الجبوري موضوع طريف عن (ايام الباذنجان) ، قال فيه انه (خير عند عامة الناس وشر عند بعضهم) ويوضح (اما انها خير فلأن ثمرته في فصل كثرتها ترخص فيأكلها الفقراء والمتجملون والضعفاء بطرقهم البسيطة قليا او سلقا او شيا في التنور ولا يزيدون عليه شيئا سوى الملح والثوم والزيت وتسمى مرقتهم هذه (المسقعة)وقد يضيفون اليه اللبن الرائب ان وجد فتسمى حينئذ (البورانية)، اما انه شر على بعض الناس فلأن هذا البعض كانت تصيبه (السوداء) عند اكله، والسوداء مرض شبيه بالجنون يطلق عليه اسم (المالنخوليا) وكان الاطباء العرب يرون ان اكل الباذنجان والإكثار منه يورث مرض السوداء .
في قصيدة أمير الشعراء كان الباذنجان دليل النفاق، عندما جاع الامير فقدم له طباخه كثير من الباذنجان فأكل منه كثيرا، وأعلن إعجابه فسارع طباخه بمدحه ، وفى اليوم التالى قدم للأمير الباذنجان فلم يعجبه، وسارع طباخه بذم الباذنجان وهجائه . والعبرة أنه في أيامنا تجد أكثرية الناس يتبعون مبدأ المصلحة الخاصة وليس العامة، وتراهم بين ليلة وضحاها ينقلبون في مبادئهم وأرائهم تبعاً لمصالحهم الخاصة.
يحكى أنّ الأمير بشير الشهابي كان لديه طبّاخ ماهر ذكيّ وخفيف الظلّ اسمه سرور، وكان الأمير يحبّ حديث سرور، كما كان يتلذّذ بطعم مأكله، في أحد الأيّام قدّم له الطبّاخ وجبة من الباذنجان، فاستدعاه الأمير وقال له: ما ألذّ طعم الباذنجان ! فقال الطبّاخ سرور:سيّدي، الباذنجان من أشهى المآكل: إن أكلته مقليّا بقي طعمه على لسانك طول النهار وإن أكلته محشيّا كان شيخ المحاشي، وإن أكلته مكبوسا فهو أشهى الكبيس.
انفتحت شهيّة الأمير، فبالغ في التهام الباذنجان حتّى أصابه انتفاخاً، فاستدعى طبّاخه وقال له: ما هذا الباذنجان المنحوس؟ لقد سبّب لي انتفاخا في بطني !
فأجابه الطبّاخ سرور: الباذنجان طعام رديء، إن أكلته مقليّا سبّب لك تضخّما في المصران، وإن أكلته محشيّا سبّب لك أحلاما مزعجة، وإن أكلته مكبوسا سبّب لك الغثيان، وإن أكليه متبّلا سبّب لك انتفاخا في البطن.
فصاح به الأمير: ويحك ! قبل قليل كان الباذنجان ألذّ وأفضل المآكل، والآن تذمّه وتجعل فيه كلّ العلل
فأجابه الطبّاخ: العفو سيّدي. أنا خادم سعادتكم وليس خادم الباذنجان.
وأظرف أشعار أمير الشعراء احمد شوقي قصيدة جميلة عنوانها « نديم الباذنجان» قيل عنها أن الشاعر قالها يصور شخص حقيقي في قصور الملك .
كان لسلطان نديم واف يعيد ما قال بلا اختلاف .... وقد يزيد في الثنا عليه إذا رأى شيئاً حلا لديه
وكان مولاه يرى، ويعلم ويسمع التمليق، لكن يكتم .... فجلسا يوماً على الخوان وجيء في الأكل بباذنجان
فأكل السلطان منه ما أكل وقال: هذا في المذاق كالعسل .... قال النديم: صدق السلطان لا يستوي شهد وباذنجان
هذا الذي غنى به الرئيس وقال فيه الشعر جالينوس .... يذهب ألف علة وعله ويبرد الصدر، ويشفي الغله
قال: ولكن عنده مراره وما حمدت مرة آثاره .... قال: نعم، مر، وهذا عيبه مذ كنت يا مولاي لا أحبه
هذا الذي مات به بقراط وسم في الكأس به سقراط .... فالتفت السلطان فيما حوله وقال: كيف تجدون قوله؟
قال النديم: يا مليك الناس عذراً فما في فعلتي من باس .... جعلت كي أنادم السلطانا ولم أنادم قط باذنجانا
الى الجزء الثالث من قصة الباذنجان والوليمة وأصناف الاطباق منه التي اوحت الى الشاعر حافظ جميل ينظم قصيدته الرائعة الباذنجان.
من طرائف ونوادر العرب قصص كثيرة تزيد النفس انبساطا وتشرح القلب وتزيل الكآبة وهي لا تخلو من حكمة رصينة أطرح بين أيدي القراء الكرام بعضا منها، جحا وحكايته مع الباذنجان .
كان جحا يحب الباذنجان فاشترى منه فأراد البائع أن يضحك من جحا فبعث أخيه ليسرق منه الباذنجان فلما عاد جحا الى بيته وضع الباذنجان في مخزن مظلم .
سألت زوجته:اين الباذنجان يا جحا ؟ قال جحا: وضعته في مخزن البيت .
قالت الزوجة:إن المخزن مظلم فأذهب أنتَ وآتِ لي ببعض منه.
دخل جحا المخزن وتصادف في ذلك الوقت وجود اللص مختبئ بداخله، وأقبلَ ليتناول الباذنجان مسكت يده اللص، فأمسك به وجره للخارج وسأله:من انت ؟
قال اللص: انا الباذنجان فتعجب جحا وذهب الى زوجته وقال لها:انظري الى غش البائعين .
قالت الزوجة في دهشة:ماذا تقصد يا جحا ؟
قال جحا:لا أعرف كيف وزن البائع هذا الرجل مقابل الباذنجان.
سألت زوجته:وكيف أتيت به الى هنا ؟
قال جحا: كنت أقول في الطريق:يا ترى ما الشيء الثقيل في خرج الحمار ؟ لابد ان اعيد الى بائعه .
أخد جحا اللص وذهب به الى بائع الباذنجان وقال له:ألا تخشى الله ؟ كيف تبيع لي هذا الرجل على أنه باذنجان؟
قال البائع وهو يسحب أخاه نحوه في صوت خافت: ماذا يجري؟ قال أخيه اللص:لقد اكتشف جحا مكاني فقلت له أنا الباذنجان، ثم صاح البائع بصوت عال قائلا لأخيه:ألم اقول لك اجلس مع اللفت ثم اعتذر البائع لجحا وأعطى له باذنجانة بدلا من اللص، صرخ جحا في وجه البائع مطالبا ان يزن الرجل ويأخذ وزنه باذنجان هكذا يكون الحق فتجمع المارة حوله ليروا ما يحدث، أجبر البائع بوزن أخيه اللص وهو يخفي غيظه ثم أعطى جحا وزنه باذنجان فأخذها جحا في سرور .
وهذه الطرفة وقعت بين صديقين.
رجل يسأل صديقه اللبناني: اش تسوي زوجتك بالباذنجان ؟
قال اللباني: تئبرني حبيبة ألبي، مره بتعمل متبل، ومره محشي، ومره بابا غنوج، ومره مسأعه أو فتوش، وأنتَ مرتك شو بتعملك فيه ؟
قال الرجل: هالبقره كرهتني الباذنجان لأنها تبطحه فوق الرز كنه كنادر.
أما أصحاب الكرود المحيطة ببغداد والذين اطلق عليهم كناية أبو بيتنجانه (باذنجانه)وهم من زارعي البقول والخضر . وتطلق هذه الكناية على روح الاستهانة بزارعي المخضرات والبقول، وهي نتيجة رواسب عميقة في نفوس البغداديين، ترجع إلى الأيام التي كان فيها أجدادهم من البدو الرحل الذين يرون انهم أعلى مقاما ممن يحترف الزراعة والتجارة ولما تحضر قسم من هؤلاء البدو امتهنوا زرع الحبوب من الحنطة والشعير، ولكنهم ظلوا ينظرون بعين الاستهانة إلى زارعي الخضر والبقول، يسخرون منهم بأنهم من زارعي الطماطة .
وبمناسبة اصدار الاستاذ خالد الدرة مجلته (الوادي) التي كسبت شهرة فائقة في الاوساط الادبية والصحفية، اقام احد اصدقائه وليمة فاخرة حفلت بأصناف الاكلات البغدادية كان الباذنجان في مقدمتها، وقد تجلى ذوق صاحب الدعوة مبالغة منه في تكريم الاستاذ الدرة ان يقدم عدة انواع من طبخات الباذنجان لمعرفته بان الاستاذ الدرة مولع بهذه الاصناف من اكلات الباذنجان، وقد دعي الى هذه الوليمة الباذنجانية عدد من الادباء والشعراء وأرباب القلم يتقدم الحضور الشاعر حافظ جميل الذي اعجب كثيرا بهذه الوليمة وبذوق صاحب الدعوة وأوحت الوليمة وأصناف الاطباق من الباذنجان الى الشاعر حافظ جميل ينظم قصيدته الرائعة الباذنجان المنشورة في ديوانه (نبض الوجدان) الصادر ببغداد عام 1957 ضمنها اوصافه للباذنجان وأنواع الاكلات التي تعمل منه ، وفي احد ابياتها انذار الى خالد الدرة من عاقبة ولعه بأكل الباذنجان.
حدق كأحسن ما ترى العينان ... من قال انك غير باذنجان
احدى سليل اقنة لم يالفوا ... إلا حياة الورد والبستان
واستقبلوا حر الصيف وشمسه ... بحرار كل مظلل فينان
حتى اذا اشتد الحرور وخانهم ... برد الظلال ونسمة العذران
هجروا مراجعهم وعبر رصيفهم ... شهر وعبر كهامهم شهران
عقدوا الذوائب في الجياد وترجوا ... هاماتهم بغدائر الريحان
سود غزوا صيفا بخضر عمائم ... وترى الرماح ركزن في التيجان
ما شأنهم لون السواد وياسهم ... يزري بيأس كواسر العقبان
دسور بذور الشرطي ضلوعهم ... وتسربلوا بمدارع الرميان
من مثل عنترة الملاحم بفارس ... او مثل طارق قاهر الاسبان
او مثل كافور اذا لاحيته ... ونبشت منه كوامن الاضغان
يا خاذل العقلاء في افهامهم ... لاباء عقلي منك بخذلان
لو لم تكن للعقل اول مذهب ... مارشح الفضلي للأعيان
اني لأخشى يا ابن درة ان ترى بعد الوقار نزيل مارستان .
جرت عادة البغداديين انهم اذا ارادوا التعريض بشخص مهووس اذا تكلم بكلام غير معقول او يقوم بتصريفات شاذة خارجة عن المألوف فأنهم يشيرون الى هذا الشخص بعبارة (اتركوه هذا وقت بيتنجان) كناية على انه يتعرض لمقدمات الجنون بسبب موسم (وقت) الباذنجان وهو فصل الصيف الحار الملتهب الذي يؤثر على الاعصاب والانفعالات عند ما يأكل الباذنجان بكثرة.
للعلم أن الحدق والكهكم اسم لنوع من الباذنجان برى ، وثمره يكون أخضر ثم أصفر ، وتدره على قدر الجوز ، وشكله شكل الباذنجان ، وسماه بعضهم شوك العقرب
المصدر : ملاحق جريدة المدى اليومية » الأخبار » الملاحق » ذاكرة عراقية خالد الدرة / سالم الالوسي .