اين انت يا اُم المعونة!
يا من وقفت في الطاهرة تردين قنابل الغزاة بيديك الحبيبتين يا اُمنا مريم يا منبع المحبة ومنهل الامومة. وقفت و"مجدك يتعظم في شروق وغروب". شمخت امام باش طابيا واسوار قلعتها، شاخصة الى نار العدو العديم الرحمة وهو يحاول ان يدك بيتك بسلاحه الشيطاني وخططه الشريرة. وقفت وذراعيك ممدودة باتجاه الظلام المعشعش خلف اسوار بيتك المنيعة تصدين رشقاته المسمومة. كنت يومها كما كنت دائماً المسكنتة التي تحتضن اُم الكنائس وتحمي سماء دواستها وكنيسة مارت- مريم ودار السلام وازقة بابها الجديد (وسغاديبها) والسيب الجاري وباب البيض. انت يا من حميت متي الشيخ ومار بهنامها ومار حوديني ومار- وركيسها (مار كوركيس) وديره وهضابه من جيوش الافعوان وظلامها الحالك. وذدت عن مار بثيون وشمعون الصفا والفاروق وساكنيه من اولادك ومار توما ومتعبديك فيه.
اين انت الان من شناعة ما جرى في رأس الجادة وهول ما يجري في الخزرج ووحشية ما سيجري في الغزلاني. مدي لنا يد العون يا اُم المحبة فأين حبك اللا متناهي وانت تستمعين الى تضرعات جيشك المريمي واخواتك الماسيرات وهن "يذبحن ذبح الشاة". فقد طرد ابناءك من ديارهم التي عرفوك فيها، وصلوا اليك بين ممراتها، ورددوا تراتيلك تحت قبابها وبين اقواسها. اين ابنتك في الطاهرة؟ اين ابنك في المسكنتة؟ واين ماميرك المباركة في أم المعونة؟ واين ساعورك في القديس عبد الاحد؟ واين ماسيرتك انجيلا في مدرستها؟ ايقوناتك باتت محروقة ومتروكة وصورك مهشمة مغتربة، قناطر بيتك في "الساعة" تسري بينها دودة الموت ويلعلع بين صالاتها فحيح الرصاص وعلى عتباتك تسيل دماء الابرياء العزل الزكية. هيكلك الطاهر أصبح مثوى لبناتك المستباحات واعمدة بيت قدسك معلقة عليها بقايا اطفالك المقطعة الاوصال، وتحجب شبابيكك الملونة بصمات الوحش الاسود القادم واثاره اللاانسانية وبقايا من دمار جرت على يد انسان الشر وعبد ابليس وشراذمه. فقد حاولوا حجب الشمس عن محرابك واطفاء شموع هيكلك بأنفاسهم النتنة الحاقدة التي لا ترقى الى مستوى المحبة ولاتفقه الانسانية الحقة، بقايا اولاد قابيل الذي اعماه السواد الغارق في كره الربيع وكل شيء جميل والمستنشِق لهواء النكراء، فأجسادهم التي عافتها الحياة وهجرتها الانسانية هيهات لها أن تترفع لتتذوق طعم الابتسامة التي لم يرضعوها مع حليبهم الاسود. فالاُم التي وهبتهم اعضاءهم لم تهبهم الحياة " ففاقد الشيء لا يعطيه" فربتهم على سم البغض الزعاف والقمتهم الحقد والبستهم ثوب الكراهية المقيت.
أطلت الجمعة وقد توشحت شمس فجرها بوشاح حالك اسود وشعاعها الواهب للحياة كان قد اغتاله سيد الظلام في الظهر فأرسل لوامسه الاخطبوطية كقاتل يمتص الحياة من كل ما حوله فسقط الاحد مضرجاً بدمه بعد ان تكالبت عليه شياطين الجمعة بمساءها ومغربها. سقط وهو شامخ، فابنك يا اُمنا مات واقفاً والرجال لا تموت الا واقفة بينما يتباهى اقزام الانسانية برصاصة الرحمة وقتل العزل واستباحة النساء وبيعها كسبايا وجز رقاب الشيوخ والاطفال. فلم تعد الموصل بلد الانبياء والاولياء بعد ان نبش الاوباش تربة دانيالها وواستباحوا يونسها ودنسوا رفات جرجيس نبيها ومثوى شمعون الصفا شفيعها.
فمتى يا اُمنا ستبزغ شمس الاحد "لتراها كل شعوب الارض" من خلال غيوم الشيطان السوداء وتهب رياح المحبة لتنقي سماء الكون من شوائبها وتشرق الابتسامة على وجوه اتقياءك فتنير الربيع في ديار حاضنته وتشرق شمس نيسان من جديد لتجدد الحياة في نينوى، ام العواصم.
بقلم الشماس
جان كننيا