لم أعد أكتب لك، بل أكتب عنك، نعم، لكن ليس لك، ثمة فارق كبير بين أن تهمس في أذن الغائب، وبين أن تخاطب ظلّاً لا يلتفت، فكل ما تبقّى الآن هو الصدى، وأنا لا ألاحق الأصداء، أتركها تتلاشى في الجدران التي لم تعد تحفظ أسراري، ولا تعكس وجهي حين أمرّ حزيناً.
لم يعد في الحروف دهشة، ولا في العيون سؤال، كنت أظن أن الوداع يحتاج إلى ضجّة، إلى عناقٍ أخير أو بكاءٍ مرّ، لكن الحقيقة؟ الوداع يحدث بهدوء، مثل انسحاب الموج حين يدرك أن الشاطئ لم يكن ينتظره.
كنت أراك في كل الأشياء، واليوم صرتُ أتفادى الأماكن التي مررنا بها، لا خوفاً من الذكرى، بل احتراماً لنفسي.
فثمة وداعٌ لا يحتاج منك أن تستدير، بل يكفي أن تتوقف عن الانتظار.
أعترف، لم يكن الأمر سهلاً، أن تضع قلبك في كفّ أحدهم وتقول له: هذا أنت، ثم تكتشف أنه لم يُبصر سوى وزن اليد وثقل العطاء، لكنني تعلّمت: أن لا أحد يمنحك ما تستحق، إن لم تمنحه لنفسك أولاً، وأنك لن تجد الراحة في طريقٍ يختارك مراراً لتكون مجرد (خيار مؤقت).
الوداع ليس كُرهاً، ولا عتاباً، ولا محاولة للانتصار، هو فقط إدراك متأخّر بأن الحب لا يكفي، إن لم يكن صادقاً، ولهذا، لن أكتب بعد الآن؛ لأنك لست هنا، ولأن رسالتي هذه، (لا تستحق الرد) .