سامي المالح رئيس الجمعية السويدية العراقية
ما ان رشح الحزب الديمقراطي الكوردستاني نائب رئيس الحزب السيد نيچرڤان بارزاني لتشكيل حكومة الكابينة السابعة في الاقليم، وجه يوم الاثنين 23 كانون الثاني الماضي رسالة مكثفة الى جماهير الشعب والى كل القوى السياسية في الاقليم، حدد فيها جملة من القضايا الهامة والمفصلية كأولويات لمواجهة التحديات، كما أكد في مضمون الرسالة على أسس مهمة ترسم نهج عمل حكومته من اجل تطوير الاقليم وخدمة ابناء شعب كوردستان.
ان المبادرة في التوجه للشعب وللقوى السياسية، بما فيها قوى المعارضة، من البداية، انما يعبر عن الشعور العالي بالمسؤولية، وادراك لحجم الملفات الساخنة ولخطورة التحديات التي تواجه الاقليم، حكومة وشعبا. فالسيد نيچرڤان برزاني الذي ترأس حكومة الاقليم لمرتين سابقا، يدرك جيدا بأن الاوضاع المحيطة بالاقليم في هذه المرحلة تختلف كليا عما كانت عليه قبل اعوام، وان احداثا وتطورات دراماتيكية تجتاح المنطقة بأسرها، كل ذلك في ظل ازمة اقتصادية عالمية تترك اثارها على سياسات ومواقف وتحالفات الولايات المتحدة الامريكية ودول الاتحاد الاوربي والصين وروسيا وغيرها من البلدان.
ومن خلال قراءة متأنية وعميقة لرسالة السيد نيچرڤان بارزاني، ومن ثم متابعة نشاطاته ولقاءاته مع القوى السياسية المختلفة، يبدو جليا من انه يسعى لتشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة تعكس الواقع السياسي الجديد في الاقليم، لكي تكون على حد قوله، حكومة تلبي حاجات الشعب وتوفر له حياة افضل وتواصل تطوير الاقليم نحو المزيد من الاستقرار والديمقراطية. وفي مسعاه هذا يؤكد السيد نيچرڤان، قبل كل شيْ، على الحوار والاستماع الى الجميع، ليس من الحلفاء فحسب بل ومن المعارضة ايضا، والتي يصف وجودها وادائها، سواء شاركت في الحكومة او لم تفعل، بهام وضروري لنجاح عمل الحكومة وتطوير العملية الديمقراطية في الاقليم. أن السيد نيچرڤان بارزاني بمبادراته ومواقفه هذه، انما يضع جزء من مسؤولية تطويرالاقليم على عاتق المعارضة، حيث يمد لها الايدي لكي تكون شريكا ويدعوها ان تلعب دورها في مراقبة الحكومة وتقديم السياسات البديلة وعدم الاكتفاء بدور المعارض السلبي.
ان السيد نيچرڤان برزاني، في معرض تقييمه لمسيرة الاقليم منذ بداية التسعينات وما انجزته حكومته في الكابينة الخامسة وحكومة السيد برهم صالح في الكابينة السادسة على كل المستويات، لا يتردد في الاقرار بوجود نواقص واخطاء والتي لابد منها، الامر الذي يدل على الجدية والمصداقية في مواجهة الجماهير وعلى الاصرار في التهيئة للتصدي لتلك النواقص وتجاوز الاخطاء.
يشكل السيد نيچرڤان برزاني حكومته في اجواء تأزم الوضع العراقي، وتراوح العلاقات بين بغداد والاقليم بأنتظار حل العديد من الملفات الهامة والمؤثرة على الاستقرار والتنمية وتطوير العملية الديمقراطية في الاقليم، وفي مرحلة تهب فيها رياح تغييرات الربيع العربي وتقاطع مصالح الدول الاقليمية المحيطة. اضافة الى ذلك تنتظرالحكومة مهمات كبيرة ومتعددة وتحديات داخلية لايمكن الاستهانة بها، في مرحلة يشهد فيها الاقليم تغييرا مستمرا في البنية الاقتصادية والاجتماعية والفكرية تنعكس، حتما، على الوضع السياسي وعلى حجم ومواقع ومواقف القوى السياسية المختلفة. ادناه، بتقديري، هي ابرز المهمات التي ستواجهها الحكومة الجديدة:
- أعادة ترتيب البيت الكوردستاني على اسس اكثر متانة وتفاعل وثقة وشفافية.
- تحريرعمل الحكومة ومؤسسات الدولة من دائرة العمل الحزبي الضيقة.
- تعزيز وتطويرالديمقراطية بالمزيد من الوعي والشعور بالمسؤولية وضمان حقوق المواطنة و المزيد من حرية الرأي والتعبير والاستقلالية للقضاء وللبرلمان ليتحمل مسؤوليته التشريعية والرقابية.
- الاستجابة لمطالب الجماهير الملحة بالمزيد من العدالة وتوفير العمل والخدمات ومحاربة آفة الفساد المالي والاداري المستشرية.
- تطويرالتربية والتعليم لرفع المستوى المعرفي للمواطن وتهيئة الكفاءات والقوى العاملة والمنتجة ولنشر وترسيخ قيم التعايش والتضامن وقبول الاخر والسلم الاجتماعي.
- التأسيس لنظام الضمان الاجتماعي وحماية الفقراء والمعوقين والعاطلين عن العمل وتوفير السكن والضمان الصحي.
- ضمان كامل الحقوق القومية والدينية الدستورية لكل مكونات الشعب الكوردستاني دون تمييز او تهميش.
من الهام بمكان، عند تحديد هذه الملفات المهمة، التشديد على أهمية فهم و أستيعاب جدلية العلاقة بين التأخر والانتظار في معالجة كل هذه الملفات والتلكؤ في مواجهة هذه المهمات وبين تراكم الاستياء والتذمر والسلبية والتشائم وتدهور القيم وانتشار الافكار الغيبية
السلفية ونزعات التعصب والحقد وعدم قبول الاخر، التي تشكل بيئة وارضية خصبة لتوسع قاعدة ونفوذ القوى الدينية والتيارات المتطرفة، وبالتالي تهديد كامل تجربة الاقليم والتقهقرالى الوراء. أن ضمان مستقبل افضل للاقليم ولشعبه يكمن اولا واخيرا في المزيد من الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتعزيز ثقة الناس بالحكومة وبالعملية السياسية وتغذية الامل بالمستقبل وبجدوى تحمل المسؤولية.
ان خبرة السيد نيچرڤان برزاني وتجربته الغزيرة في قيادة الحكومة في مراحل معقدة، ولا سيما تصدي حكومته في الكابينة الخامسة لمهمة توحيد الادارتين في الاقليم، وديناميكيته والكاريزما وعلاقاته الايجابية الواسعة داخليا وخارجيا ونزعته الى التفاهم والحوار والاستماع الى رأي النخب والمثقفين والمعارضة، تشكل بمجملها مستلزمات العمل القيادي وأدوات النجاح في أدارة الاقليم، تؤهله بلا شك، مع فريق عمل من كفاءات واختصاصات وتكنوقراط مهنيين مخلصين مترفعين على مصالحهم الشخصية والحزبية، تؤهله لكي يلعب دورا تاريخيا متميزا ولكي يسجل نقلة نوعية في تطورالاقليم، ستؤثر بفعالية وايجابية على العملية السياسية في العراق كله.
كما ان نجاح السيد نيچرڤان برزاني يتوقف ايضا، على مدى تعاون الحزب الديمقراطي الكوردستاني وحليفه الاستراتيجي الاتحاد الوطني الكوردستاني، ومدى تفهم القيادات والكوادرلمنهجيته وبرامجه واساليب عمله. فالحزب يمكنه ان يكون قوة كبيرة وفاعلة لتنفيذ برامج الاصلاح والتنمية ومحاربة المحسوبية والفساد وأعطاء المثل الاعلى لتعزيز قيم النزاهة والاخلاص والتضامن وتفهم حاجات الناس والتعبير عن معاناتها وتطلعاتها، وان يكون بمعنى اخر، قاطرة لتنفيذ برنامج الحكومة. وبعكسه وفي حالة عدم تفهم الكادر الحزبي وانطلاقه من مصالحه وامتيازاته وتقوقعه بعيدا عن الناس، قد يصبح عائقا او ثقلا على الحكومة، يشل ادائها أو يجلب لها مشاكل وتعقيدات لامبرر لها.
ان كل القوى الكوردستانية، السياسية والاجتماعية، الحريصة على تطور الديمقراطية الفتية في الاقليم، والتي يهمهما ان تقطع الطريق على مفاجئات صعود قوى متشددة وسلفية بآليات الديمقراطية التي ضحى من اجلها الالاف، مطالبة بمساندة ومؤازرة برامج الحكومة الجديدة في الاقليم، والاستجابة لدعواتها للتعاون والتضامن وتحمل المسؤوليات في الدفاع عن مصالح الناس الاكثرية. وعليها المساهمة بتقديم المعالجات والمشاريع الاصلاحية الملائمة، وعدم التردد بتقييم اداء الحكومة وبالانتقاد الايجابي البناء، ووضع المصالح العليا فوق المصالح الحزبية والعشائرية والشخصية.
ان تطور وتقدم اقليم كوردستان، ونجاح حكومة السيد نيچرڤان بارزاني في اعمالها للعامين القادمين، يشكل أهم الضمانات لحلحلة الاوضاع في عموم العراق، ويعد قوة مؤثرة لدفع العملية السياسية الى امام والتمسك بالخيار الديمقراطي مثلما يشكل قوة اساسية مانعة وكابحة لصعود الدكتاتورية.