عشتار تيفي كوم - آسي مينا/
بقلم: جورجينا بهنام حبابه
تركت رحلة البابا فرنسيس التاريخيّة إلى العراق أثرًا طيّبًا في نفوس أبنائه جميعًا، ورسمت زيارته مدينة الموصل القديمة أثرًا لا يُمحى في نفوس أبنائها الذين يعدّونها حَدَثًا تاريخيًّا. فماذا يقول موصليّون مسلمون اليوم عن البابا وزيارته والتعليقات المسيئة عقب رحيله؟
شكّلت هذه الزيارة مبعث فخرٍ للعراق كلّه، وليس للموصل فحسب، إذ ضمَّتهُ إلى بلدان قلائل تشرّفت بزيارة البابا، كما قال عامر الجُمَيْليّ البروفيسور الدكتور التدريسيّ في جامعة الموصل، في حديثه عبر «آسي مينا».
لولا البابا لما تحقّق ذلك
وعدّها رسالةَ طمأنينة لمسيحيّي الموصل وسائر مكوِّناتها، إذ «وجّهت أنظار المجتمع الدوليّ إلى هذه المدينة المنكوبة، فكانت عاملًا إيجابيًّا في إشاعة مناخ الأمان فيها إيذانًا بإعمارها، ودعوةً إلى لملمة الجراح». وأشاد بأثرها في إعمار الموصل، إذ «تداعت دولٌ ومنظمّات بُعيدها إلى تبنّي الإعمار، كمنظمّة اليونسكو، ولولا زيارة البابا لما تحقّق كلّ ذلك».
البابا في حوش البيعة
وقال بشار الباجه جي، الدكتور التدريسيّ في الجامعة التقنيّة الشماليّة، إنّ حضور البابا فرنسيس في الموصل أمام أطلال الكنائس المدمَّرة بـ«حوش البيعة» ذكَّرَه بطفولته، يوم كان يتسلَّل خِلْسَةً من دكّان أبيه إلى مجمّع الكنائس ليشهد الاحتفالات الدينيّة التي «لم أكن أفهم منها شيئًا سوى أنها مناسبة مهمّة يجب أن تُحترم».
وأشار إلى حضور البابا العفويّ وتفاعل الحضور مع كلماته الداعية لإعادة الحياة إلى فطرتها الأولى ونبذ الانتقام والكراهية. وأضاف: «أحسَسْت بأنّ روح البراءة عادت ترفرف رغم مناظر الخراب وحكايات التهجير والعذاب التي تسبَّب بها غامضون طارئون جاهلون لروح الانسجام السحريّ بين مكوّنات الموصل».
رسالة تنوير
من جهته، أبرَزَ صقر زكريا، رئيس «مؤسّسة بيتنا للثقافة والفنون والتراث» الموصليّة ومؤسّسها، حقيقة كون زيارة البابا تاريخيّةً ونقطة تحوِّل بالغة الأهمّيّة في التنوير و«تسليط الضوء على الموصل عقب عقودِ انغلاقٍ وانقطاعٍ تامٍّ عن العالم، تفاقمت مأساتها بفعل التدمير الظالم الذي طالها في خلال حرب تحريرها من تنظيم داعش الإرهابيّ».
وأشار إلى أنّ اختيار البابا الصلاة في حوش البيعة، قلب المدينة القديمة، حيث مجمّع الكنائس، كان رسالةً عظيمة ومؤثّرة. وأكّد أنّه بصفته مُراقبًا ورئيس مؤسّسة تُعنى بالتراث وتستقبل زوّارًا وسيّاحًا، رصد «نشاطًا سياحيًّا دوليًّا متزايدًا يقصد الموصل عقب زيارة البابا الكريمة، إذ أسهمت في تخفيف القيود على تأشيرات الدخول إلى العراق، ما زاد عدد السيّاح، لتغدو الموصل مقصِدًا سياحيًّا».
ولفت إلى أنّ حضور البابا في الموصل، ودعوته العالم إلى السلام والمحبّة وبناء هذه «المدينة العريقة»، شجّع كثيرين من مسيحيّي الموصل على زيارة مدينتهم، وحفّز آخرين على العودة.
أصواتٌ ناعقة ومستهجنة
عدَّ الجميليّ ما تردّد من تعليقاتٍ مسيئة إلى ذكرى البابا الراحل رسائلَ سلبيّة يروّجها تكفيريّون ومنغلقون متشدّدون، ليسوا من أصلاء الموصل، بل هم نتاج الغزو الفكريّ النابع من بيئةٍ صحراويّةٍ بدويّة.
وتساءل: «لماذا لا نترحّم على البابا، رسول السلام الداعي دومًا إلى إنهاء الصراعات في العالم، وبخاصّةٍ في الشرق الأوسط الملتهب؟ كيف لا نترحّم على رجل عظيم يمثّل الإنسانيّة في أبهى صورها، ويمثل السيّد المسيح ومبادئه العظيمة؟ بل نجلّه ونقدّسه، فهو خليفة مار بطرس. ونأمل بأن يسير خليفته على نهجه ويخصّ الموصل بزيارة».
علاقة أوثق من تعليقاتٍ مسيئة
وشدّد زكريا على أنّ تعليقات المسيئين «غبيّةٌ وسخيفة ونابعة من جهل، ولا تستحقّ أن تؤخَذ على محمل الجدّ، كونها لا تعبّر على رأي المجتمع العراقيّ أو الموصليّ الأصيل».
وقال إنّ «علاقة مسيحيّي الموصل بمسلميها أوثق وأعمق من تعليقاتٍ مسيئة لذكرى البابا فرنسيس رحِمَه الله، أتاحَت منصّات التواصل لكلّ من هبّ ودبّ أن يكتبها، سواء أكان مثقّفًا أم جاهلًا أم متخلّفًا أم حاقدًا».
كلّنا إخوة
من جانبه، استهجن الباجه جي ما تردّد في الآونة الأخيرة من تعليقاتٍ مسيئة إلى ذكرى البابا الراحل، مؤكّدًا أنّ المسلمين استنكروا هذه الأصوات الناعقة قبل المسيحيّين وأنّ «تلك الأصوات النشاز لا تمثّل إلّا نفسها».
وتعجّب من تنصيب بعضهم أنفسهم وكلاء يتكلّمون بلسان الله ويقرّرون من يدخل الجنة أو النار، ويحرّمون الترحّم مُتناسين أنّ الله، أرحم الراحمين، خلقنا كلّنا، ونحن جميعًا إخوة، كما كان شعار زيارة البابا.