همسات ساخنة ... ومضات هادئة
هذه ببساطة مجرد وجهة نظر ناصحة أنقلها للطرف المعني في هذه الهمسة الساخنة، علّها تُبردُ النفوس الحائرة وتُلينُ القلوبَ الغليظة التي لا ترى أمامها سوى ما تتمناه لنفسها حصرًا واستفزازًا، وما تكرهه لغيرها حسدًا واستكثارًا. فالفاسدُ والكارهُ لغيرهِ معروفُ الصفات في جهله وتربيته وفسقه وحقده وكسله ولصوصيته ونفاقه ومراءاته وكذبه ودجله وبكل الصفات السيئة التي لا يرضى بها الخالق لخليقته والعاقل لبني جلدته. في حين يسمو الإنسان المثقف المدرِك لواقع الحياة واحتياجاتها الضرورية اليومية، بغض النظر عن انتمائه الديني أو الطائفي أو الفكري أو لونه أو وظيفته بنبلِ إنسانيته واحترامه للزمن وتقديسه لوقت العمل وعيش حياته بالصدق والأمانة واحترامه للآخَر المختلف عنه في الدين والمذهب والإتنية والفكر والرأي، كما في تعلّمه وتربيته واستخدامه أقصى ما بلغته التكنلوجيا المتطورة في خدمة الإنسان والوطن والبشرية. من هنا، فإنّهُ لا يمكننا الاستمرار في اتهام الغرب المختلف عنّا في هذه جميعًا بفكرة استخدامه للشعوب الفقيرة البدائية والنامية حطبًا لتكنلوجيته وسرقة ثرواتها واستغلالها لصالح مجتمعاته المتقدمة في كلّ شيء والمختلفة عن سلوكياتنا في أيّ شيء إلاّ في نظرة الاحترام للزمن والأرض والوطن والإنسان. ففي أوطاننا نجد من الكارهين لشعوبهم كثيرًا من مدّعي عباد الله، ومنهم وعّاظُ السلاطين ومَن على شاكلتهم من المطبّلين والمزمّرين وناصحي فقراء الشعب والبؤساء فيه بضرورة الإكثار من الصبر والصوم والصلاة والابتعاد عن تناول النستلات والحلويات المبتكرة التي ترتاح لها حصرًا مَعِداتُ ونفوسُ أمثال هؤلاء الوعّاظ والسلاطين وحواشيهم من الساكنين منهم في قصور وفلل وعمارات بلغت بعضُها غيوم السماء نهبًا من ثروات الفقراء من أشكال أولاد الخائبة حصرًا، من الذين حُصر دورهُم في الحياة بطاعة أولي الأمر وسادة المراجع بموجب فقه هذا النفر وتفاسيرهم في إحلال وتحريم ثروات البلدان والشعوب!
إنّ هذا لم يكن ليحصل لو لم يجري بسبب "الفاشلين" الحقيقيين والغارقين في فساد السلطة والتديّن الزائف من المتسببين بكل هذا الهراء في هذه الدول المتأخرة عن الركب العالمي. والسبب واضح لا يقبل التأويل لكون معظم شعوب منطقتنا العربية والإسلامية مغلوبة على أمرها. فمَن يحكمها ويتحكم بقرارها ويقود مراكبَها الفاشلة والمعطّلة أصلاً هُمْ في معظمهم من الطارئين على شعوبهم والمنسلّين عبر نوافذ الفساد ليُتوَّجوا في بلدانهم بمثابة أساطين الدجل واللصوصية والنهب والسلب والقتل والتهديد واختلاق الحروب والمشاحنات وتخدير شعوب بلدانهم بجرعات متتالية في المناسبات وأثناء إحياء الشعائر والمؤتمرات التي تروّجُ لإدامة سطوة الطغاة ووعاظهم على الأرض. وهؤلاء وأمثالُهم، إنّما يلجأون إلى مثل هذه الترّهات والسلوكيات الخاسئة المفتعلة لأجل إدامة بقائهم في سدة الحكم وبدعمٍ معلَنٍ أو خفيٍّ بتصاريح وفتاوى ونصائح بعض أهل الدين والمذهب من الطارئين في غالب الأحيان على أوطانهم، وممّن آثروا أن يقبلوا على أنفسهم صفة وعاظ السلاطين تملّقًا وتزلّفًا ونفاقًا من أجل إدامة استغباء الشعوب المغلوبة واستغفال ناسها وفقرائها وسذّجها مثل شعوبنا. وكلُّ هذا من أجل إبقاء سطوة الحكام والزعماء السياسيين مهيمنة على عقول هؤلاء البسطاء والسذّج من قبل هذا النمط الخائب من مدّعي علوم الدين والمذهب والرعية بلا تفكير ولا وعي بحجة تقليد هذا المرجع أو ذاك مذهبيًا وفقهيًا وشرعيًا. ومعظم المراجع الحكيمة عنهم براء!
استغلال الضعف النفسي لفقراء الشعوب
من المؤسف، أنّ الكثير من مجتمعاتنا الساذجة قد حوَّلها هؤلاء الأدعياء الطارئون على الدين والمذهب والشرع إلى أتباعٍ ضعافِ الإرادة والرأي وإلى رعاعٍ وفرائسَ قابلة الاشتعال والاحتراق عند أية إشارة من هؤلاء. ولو تسنى لهذه الشعوب المغلوبة وانتفضت على الغبن والظلم والاستغلال لتقول كلمتها وتعيش حياتها الحرة الكريمة والإنسانية لما أُلصقت بها تهمُ الفقر والذلّة والتخلّف والاستغلال وما سواها من صفات لا تقبل بها السماء ولا العبادُ الحقيقيون لله. فكيف بالإنسان الذي خلقهُ ربُّه حرًّا وسيدَّ نفسه يتقبلُ سمةَ الفقر التي يفرضُها عليه رجلُ الدّين ضمانةً له في حجز زاوية للسعادة في جنّة مزعومة وغير متاحة إلاّ في خيال هذه الأشكال من أدعياء الدين ووعاظ السلاطين؟ في حين تشهد حياةُ هؤلاء الأدعياء أرقى ما ابتدعته تكنلوجيا الغرب المتقدمة في ركوب آخر ما توصلت إليه معاملُهم من سيارات وطائرات، ناهيك عن السكن في أرقى الفلل والفنادق وامتلاك العمارات والعقارات والحسابات المليارية في مصارف غير بلدانهم وتناول اشهى الأطعمة بشراهة غير مقبولة. في حين تشهد العديد من مجتمعاتنا فقرًا مدقعًا لا يتيح لأفرادها ما يقي أو يملأ بطونهم الخاوية أو باللجوء إلى تفتيش ما في قمامة علّية القوم من المترفين والمتفاخرين بإقامة الولائم والحفلات والتباهي بالصرفيات غير المبررة بمناسبة أو بغيرها.
لقد كان من الأولى استغلالُ الثروات الوطنية الهائلة التي ينهبُها فاسدو السلطة ويتشاركون بها مع وعاظ السلاطين ومَن على أشكالهم في تنمية أوطانهم وتطوير بناها التحتية المتهالكة وتشجيع صناعة وزراعة بلدانهم وتطوير مناطقهم وصولاً للاكتفاء الذاتي وسدّ الحاجة لحين قطع الطريق أمام غول الفقر الذي يفرضُه الفاسدون وأتباعُهم وذيولُهم. فالخيرات في أوطاننا ومناطقنا كثيرة وعديدة، ولا تحتاج الخبز والكرامة وأشهى المأكولات التي تستوردها حكوماتُنا بسبب عجز هذه الأخيرة عن خدمة شعوبها وكذا نتيجةً لتخلفها عن الركب الأممي في التربية والتعليم والصناعة والزراعة والإنتاج والتطور في كل الميادين. أليست هذه هي الحقيقة؟ أم نغالط أنفسنا ونضحك على شعوبنا بلصق التُّهمِ الجزافية جميعها بالغرب "الكافر" الذي يسعى جاهدًا بالرغم من كلّ شيء وبالرغم ممّا يُوجَّهُ له من انتقاد في بعض سياساته، لمساعدة الشعوب المحتاجة عبر برامج دولية للمساعدات والاستشارة والدعم؟ فيما بعض الزعامات الفاشلة للشعوب المغلوبة في دولنا الشرق أوسطية والإسلامية وبعض حكوماتها ضيقة الأفق والمنهج وخالية الاستراتيجيات في خدمة بلدانها، ليس لها من هدفٍ سوى العمل على تراكم ثروات ساستها وزيادة حساباتهم في بنوك دول الغرب "الكافر" حتى لو حصل ذلك بطريقة التخادم مع بعض الفاسدين الشواذ في بعض دول هذا الغرب تبادلاً للمصالح. كلُّ هذا وغيرُه يجري ويحصل دون أن يرفَّ لهم جفنٌ عند معاينة النقص في الخدمات الآدمية والبلدية وغياب المستشفيات والمراكز الصحية والحالة المزرية التي تعيشها معظمُها.
لويس إقليمس
بغداد، في 3 أيلول 2024