عشتارتيفي كوم- سيرياك برس/
دارمسوق (دمشق) / بيروت / زالين (القامشلي) _ في قصر الشعب بدارمسوق (دمشق)، جلس البطريرك يوحنا العاشر يازجي، إلى جانب الرئيس السوري أحمد الشرع، في لقاء أرادت له الرئاسة أن يكون رسالة رمزية: “المسيحيون ليسوا خارج المشهد السوري”. اللقاء جاء بعد أسابيع قليلة على المجزرة التي ضربت كنيسة مار الياس بحي الدويلعة، وأسفرت عن استشهاد عشرات المصلّين.
وقالت الرئاسة إن الرئيس والبطريرك، شددا على أن الوحدة الوطنية شرط لبقاء الدولة. لكنّ أصداء التفجير الدموي، والقلق الذي خلّفه بين مسيحيي سوريا، تجاوزت بكثير عبارات البيانات الرسمية.
قبل ذلك بأيام، كان الأمين العام لرئاسة الجمهورية، ماهر الشرع، قد زار البطريركية ممثلاً عن شقيقه الرئيس، ومعه وفد رسمي ضمّ وزير الإعلام ومسؤولين آخرين. نقل الوفد تعازي الدولة بـ “شهداء” الهجوم الإرهابي، مؤكدًا أن “المستقبل سيُبنى معًا، يدًا بيد”.
رحّب البطريرك بالوفد، لكنه شدّد على ما وصفه “أصالة الدور المسيحي في سوريا وفي الشرق”، مضيفًا أن بطريركية أنطاكيا “كانت وستبقى إلى جانب إنسان هذا الوطن، بعيدًا عن حسابات الأكثرية والأقلية”.
جرح مفتوح وأسئلة بلا أجوبة
رغم هذه الكلمات، بدا القلق متجذرًا لدى أبناء الطائفة. يقول إيشوع كورية، عضو الهيئة التنفيذية لمجلس بيث نهرين القومي، إن “كثيرًا من الأحزاب والمؤسسات الكنسية، لم تستوعب بعد عمق وخطورة اللحظة التي يعيشها المسيحيون في سوريا”.
ويضيف: “البطريركيات لم تنجح في صياغة برنامج سياسي موحّد، ولم تنسّق مع أحزابنا أو منظماتنا المدنية. يسيرون في طرق منفصلة، وكأن قضية المسيحيين ليست قضيتهم. حتى المقيمون منهم في سوريا نادرًا ما يُرون على الأرض”.
هنا يتدخل إيشوع كورية، ليضع القلق المسيحي في سياق أوسع: “الناس يفقدون الثقة بكنائسهم. لم يعودوا يصدّقون أن قادتهم الروحيين قادرون على حمايتهم أو الدفاع عن مصالحهم. يسألون بمرارة: هل سنواجه هجمات جديدة؟ هل سيُقتل أبناؤنا؟ هل ستُصادر أملاكنا؟”
ويتابع كورية: “نحن أمام شرق أوسط جديد يُرسم بالنار. حرب إسرائيل مع إيران لم تنتهِ. الحوثيون ما زالوا يقصفون. حزب الله لم يتخلّ عن سلاحه. حرب بين إسرائيل ولبنان ليست بعيدة، وربما ضربة غربية لليمن أيضًا”.
بالنسبة له، السؤال الأهم: “أين سنقف نحن كمسيحيين؟ الجميع سيدفع ثمن هذه الحروب. هل مسيحيو لبنان مستعدون؟ ماذا لو انخرطت داعش أو تنظيمات متطرفة أخرى في الحرب؟ هل ستتدخل الدول الكبرى لإنقاذ قرية مسيحية هنا أو مدينة صغيرة هناك؟ أبدًا. هذه مسؤوليتنا نحن”.
ويتابع: “إن أرادت الكنائس أن تكون سياسية بحق، فعليها أن تفتح أبوابها أمام مختصين وخبراء للتعاون معهم. أما الاكتفاء بإصدار بيانات ضد قوى إقليمية كبرى، فذلك يضرّ أكثر مما ينفع”.
ما بعد مار الياس
بين لقاءات القصر في دارمسوق (دمشق) ومؤتمرات بيروت المرتقبة، تتكثّف صورة واحدة: مسيحيو المشرق يقفون اليوم عند مفترق طرق. من جهة، ثمة خطابات طمأنة رسمية تدعو للوحدة الوطنية. ومن جهة أخرى، هناك قلق شعبي يعبّر عنه ناشطون يطالبون بتغيير جذري في أداء الكنائس والأحزاب.
السؤال يبقى مفتوحًا: هل يستطيع المسيحيون أن يخرجوا من موقع “الشاهد القلق” إلى “الفاعل المسؤول” في رسم مستقبل أوطانهم؟ أم أنهم سيبقون أسرى الانقسامات الداخلية والخطابات الطقسية، فيما يتقدّم الزمن نحو جولات جديدة من العنف والحروب؟