فريق إرساليّة مار توما بالملابس التراثيّة السريانيّة. مصدر الصورة: صفحة مدرسة مار قرداغ في فيسبوك
عشتارتيفي كوم- آسي مينا/
بقلم: جورجينا بهنام حبابه
أربيل, الجمعة 26 سبتمبر، 2025
كثيرون يقصدون العراق يوميًّا، من أنحاء العالم كافّة، بعضهم يبتغي التعرّف على حضارةٍ عمرها آلاف السنين، وبعضهم يقصده سائحًا للاستمتاع بالأجواء والمناظر الخلّابة، وسواهم قد يبحثون عن فرصة عمل. لكنَّ تجربة هؤلاء الشباب الأميركيّين في العراق فريدة ومتمايزة، غنيّة بالخبرات ومفعمة بالبركات.
اختار أليكس مكينا مع مجموعة من زملائه في الجامعة الفرنسيسكانيّة في ستوبنفيل-أوهايو الأميركيّة أن يكونوا جزءًا من «إرساليّة القدّيس توما» الناشطة ضمن إيبارشيّة أربيل الكلدانيّة، في إقليم كردستان العراق، إحدى ثمار التعاون المشترك بين الجامعة والإيبارشيّة، ليَعملوا ويُعلِّموا في مؤسّساتها التربويّة ويعيشوا خبرة حياة وإيمان قلَّ أن تجد لها مثيلًا.
في مدرسة مار قرداخ الدوليّة، تتنوَّع أنشطة أعضاء الإرساليّة المُقبلين على الخدمة أينما استطاعوا: دروسٌ في التاريخ والعلوم وسواها. لكن تبقى دروس اللغة الإنجليزيّة والديانة ميدانهم الأكثر تميّزًا، فضلًا عن إسهامهم في الأعمال الإداريّة، وفق ما يُبيِّن أليكس في حديثه عبر «آسي مينا».
ويشرح: «لم أكُن أعرف كثيرًا عن مسيحيّي العراق وحياتهم، سوى ما تنقله وسائل الإعلام عن معاناتهم، لا سيّما إبّان هجوم داعش الإرهابيّ واضطرار كثيرين منهم إلى ترك بيوتهم ومدنهم، محتملين التهجير القسريّ لكي يُحافظوا على إيمانهم».
ويقول: «نجتهد في الإرساليّة لتوطيد دعائم تعليمٍ كاثوليكيّ رصين يُسهم في الحفاظ على المسيحيّة في بلاد ما بين النهرين التي قبلت البشارة منذ القرن الأوّل ويسعى أبناؤها اليوم إلى الحفاظ على إيمانهم وهويّتهم رغم التحدّيات. ونُصلّي لكي يبقى نور المسيح مشعًّا في هذه الأرض المقدّسة».
تركّز الإرساليّة في خدمتها التعليميّة على توطيد إيمان الطلبة أوّلًا. ويُقدّم أعضاؤها عبر التزامهم الشخصيّ، بصفتهم مؤمنين كاثوليك، مثالًا ينتظرون انعكاسه على إيمان الشباب هنا، إذ يعتقدون أنّ خدمتهم روحيّة أكثر منها تعليميّة.
في هذا الصدد، يوضح أليكس: «قد يواجه بعض زملائي صعوباتٍ في أيّامهم الأولى في التدريس، فهي خبرة جديدة كلّيًّا بالنسبة إليهم، وإليّ أيضًا، لكن يُمكنني القول بعد سنواتي في الخدمة إنّي تعلّمتُ من الأطفال في المدرسة والمعلّمين الآخرين وكهنة الإيبارشيّة وراعيها كيف أعيش معنى الاقتراب من الله».
تتّسع خدمة الإرساليّة لتشمل الجامعة الكاثوليكيّة في أربيل التي يرى فيها أليكس عراقًا جديدًا يُنعش قيَم التعايش بين الأديان والقوميّات في بيئة تحترم التعدّديّة وتشجّع على الحوار وفق المفاهيم الكاثوليكيّة.
عندما تعيش في بلدٍ كالعراق غنيّ بالحضارة والأماكن الدينيّة والتاريخيّة والطبيعيّة الرائعة، لا يوجَد وقت تُضيعه، لذا «استثمرنا أوقات العطلات في رحلاتٍ أعدُّها تثقيفيّة أكثر منها سياحيّة، لمسنا في خلالها كرم العراقيّين ولطفهم وترحيبهم بالضيوف».
أمّا في عنكاوا، حيث غالبيّة أفراد المجتمع مسيحيّون، «فتُسعِدنا أصوات النواقيس عندما تُقرَع داعيةً المؤمنين لينضمّوا إلى الصلوات والقداديس، ونلمس محبّةً وإيمانًا نابضًا وتعلّقًا رائعًا بالكنيسة».
رغم أنَّ الكلدان كاثوليك، إلّا أنَّ لطقوسهم خصوصيّتها وهي تختلف عن ليتورجيا الكنيسة اللاتينيّة، لذا كان حضور القداديس بحسب الطقس الكلدانيّ «فرصةً رائعة للتعرّف على ليتورجيا تعود إلى القرون المسيحيّة الأولى، فكم من الرائع أن تصلّي باللغة عينها التي تكلّم بها المسيح».
وفيما تُواصِل الإرساليّة خدمتها ضمن مؤسّسات إيبارشيّة أربيل الكلدانيّة التعليميّة للسنة الرابعة تواليًا، حمل أليكس خبرة سنواته الثلاث معه بكلّ ما فيها من غنًى وحبّ، لتكون زوّادته في مواصلة دراسته العليا في القانون في الجامعة الكاثوليكيّة بواشنطن، حتّى تسنح فرصة جديدة للعودة.
خدمة إرساليّة مار توما التعليميّة في مدرسة مار قرداخ الدوليّة. مصدر الصورة: أليكس مكينا