قداسة البطريرك مار افرام الثاني يحضر رسيتال "صوم وصلاة وتوبة، نحن أبناء القيامة" والصلاة من أجل المطرانين المخطوفين      مدينة القامشلي تحيي الذكرى الـ109 على الإبادة الأرمنية      غبطة البطريرك يونان يشارك في احتفال ذكرى مذابح الإبادة الأرمنية في بطريركية الأرمن الكاثوليك، بيروت      المطران مارنيقوديموس داؤد متي شرف يستقبل البروفيسور لازلو كوكزي وسعادة القنصل الهنكاري      الرئيس بارزاني يستقبل بطريرك كنيسة المشرق الآشورية وأساقفة المجمع المقدس      قداسة البطريرك مار آوا الثالث يترأس الاحتفال بالقدّاس الإلهي ‏لمناسبة تذكار مار كيوركيس الشهيد‏ - نوهدرا (دهوك) ‏      أحتفالية بمناسبة الذكرى 109 للأبادة الجماعية الأرمنية - كنيسة القديس سركيس في قرية هاوريسك      بحضور السيد عماد ججو .. انطلاق المهرجان الادبي الاول للغات الام (الكردية والتركمانية والسريانية ) في محافظة اربيل      غبطة البطريرك ساكو يستقبل راعي الكنيسة المشيخية في اربيل      بالصور.. انطلاق اعمال المجمع السنهادوسي لكنيسة المشرق ‏الآشوريّة ‏- أربيل      "أكثر مما تعتقد".. ماذا تفعل تطبيقات المواعدة بمستخدميها؟      "قطار" مان سيتي لا يتوقف.. رباعية في مرمى برايتون بالدوري      فرنسا.. إلقاء القبض على "إرهابي" الأولمبياد      كهرباء كوردستان: التيار الكهربائي سيعود إلى طبيعته غداً الجمعة      بدء عملية أمنية واسعة في البتاوين ببغداد تستمر عدة أيام      البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية      الأف بي آي يحذر مجدداً.. أميركا قد تشهد هجوماً داعشياً      يشبه يوتيوب.. منصة "إكس" تعلن قرب إطلاق تطبيق لمقاطع الفيديو      أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض      هل يمكن لفيزياء الكم أن تقضي على الشيخوخة وأمراض السرطان؟
| مشاهدات : 942 | مشاركات: 0 | 2021-10-05 09:18:16 |

خطوات مهمة تبني استقلالية الأطفال

لويس اقليمس

 

 

 

من الطبيعي جدًا للطفل وهو ينمو في القامة والجسم والعقل سليمًا معافىً أن تحتاج خطواتُه الأولى إلى إرشادٍ وإشرافٍ من والديه وأسرته ومَن حولهم وكلّ مَن سيكون له صلة بتقدّم خطواته نحو المستقبل. وليس خافيًا تأثير البيت الأسري على نشأة الطفل من أولى خطوات رؤيته النور عندما تتلقفه الأيادي الأولى مرحبة بقدومه الميمون ومستقبلةً إياه بتباشير الفرح و"الهلهولة" وتوزيع الحلوى وسلامة الصحة للأم التي حملته في بطنها تسعة أشهر أو ما يساويها من زمن الحمل. كما يواصل الأهل، الأسرة الأبوية والأمومية قبل غيرها برعايته ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً متحدية مصاعب وإشكالات ومتاعب كثيرة لا تُحصى في الكثير من الأحيان، لاسيّما تلك التي يصعبُ عليها توفير لقمة العيش الطبيعية من كفاف اليوم لأي سبب كان، كأن يكون بسبب البطالة المستشرية أو صعوبة العثور على عمل للاسترزاق منه أو فقدان المعيل أو غياب المساعدة الحكومية بسبب غياب نظام وطنيّ للضمان الاجتماعي أو بسبب الوضع الاقتصادي المتردّي وما سوى هذه كثيرٌ في ظلّ الفوضى الاقتصادية والأزمات المتلاحقة التي تشهدها دولٌ وشعوبٌ كثيرة في العالم. ولا تشذُّ منطقتنا وبلادُنا من كلّ هذا وذاك. فالعراق يتعرّض تحديدًا في هذه السنوات العجاف إلى نكسات متتالية، سياسية واقتصادية واجتماعية وتربوية وأخرى غيرها بسبب غياب الوعي وتفاقم الفساد واحتكار الوظائف بأيدي شلّة أحزاب السلطة الحاكمة وجهاتٍ محلية وإقليمية ودولية متصارعة تضع العراقيل أمام سبل انتعاش القطاع الخاص ونهضة شركاته ومعامله ومزارعه الإنتاجية بوسائل وطرق شيطانية بعيدة كلّ البعد عن اية لمحة وطنية وفي غياب أية استراتيجية لانتشاله وشعبه من المآسي التي وضعهم فيها نظام المحاصصة المقيت والقاتل منذ الغزو الأمريكي في 2003.

لعلّ من المشاكل التي لا تقلّ خطورة في عراقنا اليوم، والتي ينقصها أبسط اللمسات الإنسانية الآدمية الأساسية تكمن في غياب السكن اللائق لملايين البشر من الذين يفترشون العشوائيات ويتخذون من مساكن التنك والبناء غير المنظم سكنًا يقيهم وأطفالَهم برد الشتاء ولهيب الصيف الحار. وهذا ممّا له الأثر البالغ والسلبيّ عمومًا في موضوعة توفير أبسط وسائل العيش الكريم لأطفالٍ يولدون بلا منازل ولا سكن ولا سقف يحميهم ويوفر ملاذًا آمنًا لهم ولذويهم الذين أنجبوهم ليكونوا مواطنين أسوياء منتجين ومثمرين في بلدهم. فالطفلُ الناجح، ذكرًا كان أم أنثى، في حياته عندما يتلقى تربية سليمة وطبيعية في طفولته، فهذا من شأنه أن يوفر لوالديه راحة البال بمسيرة طبيعية سالكة، ولمجتمعه ثقة بعلاقات رصينة وطيّبة، ولوطنه مستقبلًا واعدًا بحياة أفضل. وهذه من دواعي التنشئة الصالحة والطبيعية في كلّ المجتمعات والأوطان. وعليها تَبني الشعوبُ والدول مستقبلَها وترسم مصيرَ حياة شعوبها وتضع لمسات تقدمها على كفٍّ وتخلّفها عن الركب العالمي على الكفّ الآخر في حالة فشلها بتأمين سبل الحياة الكريمة لمواطنيها.

إنّ من الأساليب التي ترسم مستقبل الأطفال فيها من المتغيرات السلبية بحسب طبيعة المجتمعات وفكرها وتوجهها الدينيّ والمذهبيّ والطائفي، ممّا يقف صدًّا مانعًا أمام تأمين حياة إنسانية سوية للأطفال في أحيانٍ كثيرة. وهذا من مدعاة القلق في دولٍ تضع في أولوياتها اتباع لغة الحشو التلقيني التقليديّ في ذهن الطفل منذ نعومة أظفاره، وتَرافقُ ذلك مع كبره ونموه الذهنيّ والجسديّ على ذات الأسلوب الضيّق في ترويض أفقه وفي وسيلة تنمية قدراته الاستيعابية وتطوّر ذهنه بسبب الكمّ الهائل من أمثال هذا الحشو في النصائح والتوجيهات والنهر والزجر والنهي التي تسلبُ حريَته وتقيّد فكرَه في اتجاه واحد دون السماح له بالاستنارة بما حوله واستكشاف محيطه بحرية من أجل تطوير قابلياته الذاتية. نحن نقول، لا بأس بتدخل الوالدين في توجيه الطفل ومرافقته في نموه البدني لينشأَ عقلُه معافى سليمًا. فالعقل السليم في الجسم السليم، مقولٌة لا نختلف عليها. ولكن لا بدّ من ترك مساحة واسعة للطفل كي يبلى بلاءً حسنًا في تنمية أفكاره وقدراته العقلية ونظرته الإيجابية للمحيط والواقع من منظارٍ بشري وإنسانيّ متناغم مع نموّه الجسدي. ذلك أنّ عملية فرض مفاهيم أبوية وأمومية على الطفل، ذكرًا كان أم أنثى ستكون له آثارٌ سلبية غير طيبة وغير مثمرة على مستقبله ومستقبل مجتمعه ووطنه ككلّ. والسبب في ذلك، كون الإنسان حرًّا منذ الولادة، ولا بدّ أن تبقى له مساحة وافية من هذه الحرية التي منحته إياها السماء.

تربية تنفيذية

لستُ هنا بداعي الإثارة ضدّ أساليب التربية التلقينية السلبية غير الصحيحة التي ينتهجها بعض الآباء والأمهات والمؤسسات بحجة صيانة أخلاق أطفالهم وتعليمهم آداب الحياة على طريقتهم التقليدية التي تحابي مجتمعاهم التقليدية القبلية والعشائرية والدينية والمذهبية ضيقة الأفق والتفكير وناهية الانفتاح، خشية من اتهامهم بالخروج عن معايير هذه المجتمعات وثورتهم على البالي من سلوكياتها التي لم تعد منتجة ولا مثمرة ولا مفيدة في الزمن المعاصر. فالزمن قد تطوّر وأصبحت كلّ الوسائل التكنلوجية والالكترونية والرقمية المتقدمة بين ايادي الجميع من دون استثناء. ومن ثمّ لا حدود ولا محدّدات قادرة اليوم أن تقطع طريق الاستنجاد بكلّ ما هو جديد ورافض للقديم الرثّ البالي الذي فقد بريقه مع تطور الزمن والفكر والرؤية إلاّ فيما يعزّزُ ويديمُ سلّمَ الأخلاق والآداب العامة وأدوات احترام الآخر برغم الاختلاف عنه في الراي والمعتقد والفكر والدين والقومية وما سواها. فهذه تبقى من الأبجديات التي لا بدّ من قيامها وتعزيزها وإدامتها وسط المجتمعات الصالحة السوية المنتجة ولا أقول التقليدية الاستهلاكية غير المنتجة. وبالإمكان الغرف من هذه الوسائل المتجددة، بسمينها وغثّها، بخيرها وشرّها، بفعلها وعقمها ما شاء الطفل والمراهق والشاب والفتاة والرجل والمرأة والكهل والمسنّ، ومتما أرادوا وكيفما شاءوا وأينما رغبوا. فكلّ الطرق مفتوحة اليوم أمام الجميع، وليس فيها من مغالق ولا روادع ولا محدّدات.

سلوكيات سالبة تسلب الاستقلالية

ليس من السهل الوقوف على أفضل الأساليب التقويمية في تربية الأطفال وتعليمهم فنّ الاستقلالية في إدارة شؤونهم اليومية، بدءً من دواعي المنزل الأسري. فمن حق الطفل عندما يبلغ السنّ الذي يتيح له تدبّر أموره اليومية حين تجاوزه سنّ السنتين فما فوق، أن ينعم بشيء وافرٍ من الاستقلالية في أسلوب حياته، وفي إدارة دارته الخاصة باللعب وأنواع ألعابه المفضلة، وفي ترتيب منامه الشخصيّ والعناية بغرفته وتوضيبها ووضع ما يحلو له من صور وأدوات وملصقات وارتداء ملابسه وقضاء حاجاته، هذا في حالة توفر هذه الأدوات طبعًا. فهذه تشكلُ سِفرًا حياتيًا في مسيرة كل طفل، وتسهم في إدراك شيءٍ من تصوراته وطريقة تفكيره ومعالجته للأمور اليومية البسيطة في ضوء ما يتلقاه من دعمٍ وإشرافٍ مباشرٍ وتوجيه سديدٍ من الوالدين. كما أنه في هذه السنّ تبدأ مداركُه بالنمو ويزداد شغفُه باستكشاف محيطه وحاجاته بنفسه، ما يمهّدُ له الطريق للاعتماد على الذات بصورة شبه تامة، مدعومًا بتحفيز من الوالدين. وهذا من البديهيات في الحالات الطبيعية، وهو ما يكتشفه الوالدون في ابنائهم وأحفادهم، وأنا منهم.

تبدأ خطوات الاستقلالية في انفصال الطفل عن الفراش الوالدي الذي كان يؤمّنُ له الدفء والحماية وشيئًا من الحنوّ والعاطفة الأبوية طيلة فترة منامه وسط الوالدين أو على جانبٍ في منامٍ مستقلٍّ عنهما. في فترة ما من نموّ الطفل وبلوغ مداركه حول كلّ ما تقع عليه عيناه في السرير الوالديّ، ينبغي على الوالدين أن يتخذا القرار بتعويد طفلهما على الاستقلال عنهما في منام خاصٍ به عندما يلاحظان تطوّر مداركه وشدّة ملاحظاته ودوام بحثه عن أسئلة تخصّ ما تقع عليه عيناه من علاقة ودية وحميمية لوالديه. في البدء، قد يلاقيان صعوبة في إقناعه بالانفصال عن غرفتهما "المقدّسة" لأسباب مبهمة أو حتى واضحة للعيان تتعلق بشكل العاطفة الطبيعية التي تربطهما به. وقد يكون للأم تأثيرٌ أكبر في تأخير مثل هذا القرار بسبب بروز العاطفة الأمومية العليا والخشية من ابتعاد فلذة الكبد جسديًا وشعوريًا عنها بعد أن كان لصيقًا بها منذ الولادة وبداية أيام نموّه. إلاّ أنّ القرار الصحيح ينبغي اتخاذهُ في وقت ما ومن دون تأخير. فقد حان الأوان لاستقلاليته والبدء بترتيب أموره الشخصية بعيدًا عن أحضان الوالدين، ولو في أدنى أوليات الترتيبات الضرورية. فهذا من شأنه أن يخلق فيه روح التكوين الذاتي وتحمّل المسؤولية عندما يكون في غرقته بعيدًا عن حماية مباشرة أو غطاءٍ حضوريّ من الوالدين. كما ستوفر له هذه الاستقلالية المناخَ مستقبلاً لتعلّم المزيد من الممارسات المهمة التي تنتظرُه، ومنها الاستعداد للتأقلم لاحقًا مع التعلم في المدرسة في خطواته الأولى وتطوير مهاراته وتقوية منجزاته البدائية أمام مرأى الوالدين.

من الممكن أن يواجه هذا الانتقال الجديد في العلاقة بين الوالدين والطفل مشكلةً ليست قائمة إلاّ في فكره البدائيّ المهزوز في البدايات الأولى. وهذه تكمن في الخوف الذي يستشعرهُ الطفل في قرارة نفسه بصعوبة تأمين ما يعتقدُ أنه مبرّرٌ لهذا الخوف، وهي شكل الحماية الوالدية التي كان يتلقاها أيام الطفولة الأولى، والتي يرى أنه في الطريق إلى فقدانها والحرمان منها من دون إنذار. ومن ثمّ يقيم الحجج بالخوف من مجهولٍ قائمٍ في فكره أو يبدي الخشية من أشقائه الأكبر منه سنًا أو أقرانه أو أي شخصٍ آخر يشاركه السكنى الجديدة بعيدًا عن الوالدين. وقد تسنى لي شخصيًا معايشة هذا النموذج وإنجاحه مع أبنائي وأحفادي من بعدهم عبر تهيئة كافة الأجواء للتأقلم مع شكل هذا المناخ الجديد، من تهيئة لغرفة خاصة وفرشها وتأثيثها بما يجذب نظر الأطفال ويعطي انطباعًا براحة أكبر في الوضع الجديد ومزيدًا من الثقة بالنفس. وكلّ هذه من الأدوات الجاذبة والمشجعة لاستقلالية الطفل. هنا تحديدًا، في حالة تراجع أحد الأبوين عن قرارهما بتوجيه الطفل نحو استقلاليته لأيٍّ من الأسباب في أعلاه أو غيرها، فإنَّ آثارَها لن تكون طيبة، لا في صالح الطفل ولا في صالح الوالدين على السواء. فأيّ اهتزاز في الموقف سيعمّقُ الشعور بالحاجة للالتصاق أكثر بالسرير الوالدي لفترة أطول. ولكن لن يكون الأمرُ سهلَ التقبل في وقت لاحق. فاستسلام أيّ من الوالدين لبكاء الطفل وتوسلاته في البدايات الأولى للبقاء وسطهما في ذات الغرفة سيخلقُ لدى الطفل عقدةً عاطفية عندما يكبر، هذا إنْ لمْ يتعرّض لأشكالٍ من الاضطراب النفسي غير المبرّر.  

هناك نقطة هامة أيضًا قد تثير قلقًا بين الوالدين عندما ينحازُ أحدُهما لطفلٍ دون غيره. هنا تبدأ الغيرة لدى الإخوة في الأسرة الواحدة، إذا لاحظ بعضُهم شيئًا من التمييز لصالح أحدهما دون غيره. ومن شأن هذا التمييز أن يخلق صراعًا وسط الإخوة وينال من حجم سعادتها. بل قد يمتدّ الصراع لينتقل بين الوالد والأم ويزيد الجدال بينهما ليحتدم وصولاً للغضب من سلوك أحدهما ضدّ الآخر بسبب الانتصار لطفلٍ دون غيره. وهذا يتطلبُ المزيد من الحذر في الاتزان في المواقف بين أعضاء الأسرة الواحدة، وإلاّ وقع الوالدان في مغامرة الأبوّة التمييزية بين الأطفال والتي يصعبُ لاحقًا تغيير بوصلتها لصالح الاعتدال في المساواة بين الجميع وصولاً لقدرٍ مقبولٍ من السعادة. لكنّ هذا لا يمنع أن يكون لطفلٍ دون غيره دالّةٌ أو حظوة لدى أحد الوالدين لأية أسباب وجيهة، كأن يكون القربُ العاطفي بسبب طبيعة سلوك الطفل أو طريقة تحبّبِه أمام الأب أو الأم وفقًا لتجاوبه مع توجيهاتهم ورغباتهم، ما قد يجلب اهتمام أحدهما تجاهه دون غيره. لكننا عندما نتحدث عن سلوك أبوي في مسألة توجيه الطفل مع نموه في العمر نحو الاستقلالية في تأمين ضروراته اليومية، فهذا ينبغي أن يكون تعميمًا لجميع الأطفال ومن دون تمييز في إقراره واتخاذه، لكونه جزءً اساسيًا في التربية الأسرية الإيجابية.

السعادة في نوعية التربية

في كلّ الأحوال، تبقى التربية الإيجابية هي الخيار الأفضل لتعزيز شخصية الطفل والأخذ بيديه نحو حياة مستقرّة طبيعية تمنحه إياها فسحة الاستقلالية التي يكتسبها من لدن الوالدين. فكلّما شعر الطفل بزيادة قناعة الوالدين بما يأتي به من أفعال وحركات، يزيده ذلك اعتمادًا على قدراته، بل ويزيد من شعوره بشيءٍ من الاستقلالية في السلوك والتصرّفات عندما تكون هذه في منظار الوالدين وتحت نظرهما. وعندما تحدثنا عن ضرورة احتفاظ الوالدين بخصوصيتهما في غرفتهما الخاصة وبما يعزّز من سبل ومفردات سعادتهما الزوجية والعائلية معًا، فذلك كان من منطلق أحد الخيارات الإيجابية في التربية السليمة. فهذه الخطوة بالذات، هي البداية لفسح الطريق أمام مساحة واسعة من البحث المبطن عن الاستقلالية التي يسعى إليها الوالدان ويتقبلها الطفل على مضض في بداياتها الأولى. ولكن سرعان ما ينطلق للتوسع ضمن هذه المساحة المتاحة لإثبات الذات والقدرة على التفاعل مع مفردات الحياة التي تحيط به والتي من شأنها أن تكسبه مزيدًا من الخبرة والثبات والمعاندة في اكتشاف الذات أكثر.

مثل هذا النموذج من العلاقة السوية بين الوالدين والطفل، متاح أكثر وسط الأسر التي تتحلى بحياة مستقرّة ضمن مجتمعاتها والتي تستند فيها لتأمين سعادتها، بتوفر أدواتها الأساسية من مسكن وملبس ومادة. لذا، نرى ملاحظة عكس هذه الحالة تمامًا وسط عائلاتٍ تفتقد إلى أبسط سبل الحياة في افتقارها إلى سكنٍ ملائم يأوي أفراد الأسرة الاعتيادية في عديدها الذي يلائمُ قدرتها على تحمّل تكاليف المعيشة أولاً، واستيعاب أفرادها عندما لا تخرج عن المعقول في الإكثار والإنجاب بلا تحديد. فسرُّ الحياة وبهجتُها وطبيعتُها ليست بكثرة الإنجاب، بل في التربية الصحيحة وبأدواتٍ صحيحة تضمنُ لهم العيش الرغيد والسكن الصحيّ والاستقرار الأسري والسعادة العائلية بعيدًا عن إشكاليات التكاثر العشوائي كالأميبا وكالحيوانات التي تنجبُ صغارها غريزيًا وتلقي رحلَها في الشارع لتتلقفها أيادي الجريمة والشرّ والجهل وأنواعٍ لا تُحصى من الموبقات والأعمال التي تتقاطع مع حق الوطن والمجتمع بإيواء مواطنين صالحين تُعدُّهم أسرهُم لدخول معترك الحياة من منطلق صحيح وصائب.

ونتيجة لما سبق من ملاحظات وتشخيصات، يأتي الجهلُ بأساليب التربية والإعداد الأسري المقبول عاملاً سلبيًا في توفير السعادة الأسرية المفقودة، وذلك بدءً من سُنّة الزواج وأسبابها وأدواتها وضروراتها الأساسية المتمثلة بعدم توفير سكن آدميّ مقبول يحفظ خصوصية الزوجين والأطفال عندما يولدون وسط استعدادات آدمية غير متكافئة وغير متيسرة يُفترضُ أن تتكفلَ الحكومات بتأمينها. وهذا ما يعاني منه المجتمع العراقي بسبب الزيادات العشوائية وغير المنطقية في الولادات والزواجات غير المتوازنة أو المتكافئة، ولاسيما تلك التي تمسّ القاصرين والقاصرات، ما نجم عنه طبيعيًا حالات طلاق عديدة موازية كنتيجة حتمية لصعوبة توفير عش الزوجية ولقمة العيش وسط أزمات خانقة ومتلاحقة في السياسة والاقتصاد ونتيجة لسيادة العرف العشائري والطائفي على سيادة القانون في شبه الدولة العراقية التي فقدت كلّ مقوّمات الإدارة الوطنية السليمة في تلبية احتياجات أبنائها. ولعلّ أولى هذه الضرورات، قيام تعامل صحيح وفاعل يوازي في حجمه وطاقته ما يتناسب مع أزمة السكن الخانقة التي ستظلُّ شوكة عسيرة تواجه الإدارات الطائفية المتلاحقة الفاشلة لفقدانها استراتيجية العمل وفق إدارة فاعلة ناجحة وإرادة وطنية مفقودة أصلاً لم تستطع معالجة هذه الأزمة طيلة فترة حكمها الطائفي.

اختصارًا، لا يمكن تأمين السعادة لأية أسرة في حالة فقدان وضياع أيٍّ من أسسها الأساسية: العش الزوجي في تأمين السكن الصحيّ، التفاهم الأسري المبني على الحب الحقيقي، التربية الإيجابية في توجيه الوالدين للأطفال، الاحترام المتبادل بين الزوجين أمام الأطفال، الثقة المتبادلة ضمن الوضع الأسري، تشجيع الأطفال على الاعتماد على النفس. وغيرها كثيرٌ ممّا يدخل في خانة التربية الإيجابية التي تبقى من مسؤولية مؤسسات الدولة والمنظمات والجهات ذات العلاقة في تنميتها وتعزيزها وإشاعتها في المجتمعات دون تمييز.

 

Impossible de charger les résultats complets

Réessayer

Nouvel essai…

Nouvel essai…

 










أربيل - عنكاوا

  • موقع القناة:
    www.ishtartv.com
  • البريد الألكتروني: web@ishtartv.com
  • لارسال مقالاتكم و ارائكم: article@ishtartv.com
  • لعرض صوركم: photo@ishtartv.com
  • هاتف الموقع: 009647516234401
  • رقم الموقع: 07517864154
  • رقم إدارة القناة: 07504155979
  • البريد الألكتروني للإدارة:
    info@ishtartv.com
  • البريد الألكتروني الخاص بالموقع:
    article@ishtartv.com
جميع الحقوق محفوظة لقناة عشتار الفضائية © 2007 - 2024
Developed by: Bilind Hirori
تم إنشاء هذه الصفحة في 0.6250 ثانية