دير سانت كاترين في مصر. Adobe Stock
عشتارتيفي كوم- كاثوليك فوت/
ماكينا سنو، ١٩ آب/ أغسطس ٢٠٢٥
على الرغم من أن محكمة مصرية قضت مؤخرًا بسحب السلطة القانونية من الرهبان المقيمين في أقدم دير مسيحي في العالم ومنح الدولة سيطرة واسعة على ممتلكاته، إلا أن جهود القاهرة لتجريد الدير من استقلاليته كانت جارية بالفعل على مدى العقد الماضي، وفقًا للمحللة البحثية المسيحية القبطية مريم وهبة.
كتبت وهبة في مقال لها في صحيفة فري برس بتاريخ ١٧ آب أغسطس: "نشأتُ في مجتمع مسيحي قبطي في مصر؛ كانت كنيستي تضعنا في حافلة كل عام في رحلة حجنا السنوية إلى دير سانت كاترين. لكن مكانة هذا المكان المقدس أصبحت الآن في خطر جسيم" .
أدى هذا الصراع إلى عقد اجتماع في يونيو/ حزيران بين وزيري الخارجية اليوناني والمصري لتأمين حقوق الدير، ولحل تداعيات حاسمة ليس فقط على الدير ورهبانه الأرثوذكس اليونانيين والمخطوطات التاريخية التي يحمونها، ولكن أيضًا على السياسة الأمريكية المصرية والمؤسسات الدينية للأقليات في جميع أنحاء مصر، وفقًا لوهبة.
وكتبت وهبة: "ستشير نتيجة هذا الصراع ما إذا كانت مصر لا تزال تفسح المجال للدين الخارج عن سيطرة الدولة". و"على مدى العقد الماضي، دأبت القاهرة على تقويض استقلالية دير سانت كاترين - وهو نموذج مصغر لحملة مصر الأوسع ضد ما يقدر بنحو 10 إلى 15 مليون مسيحي في البلاد ذات الأغلبية السنية المسلمة". وأوضحت وهبة، وهي محللة أبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، أن السلطات المصرية ألغت مشروعًا لرقمنة مجموعة مخطوطات الدير.
وفي عام 2024، منعت دخول الباحثين الزائرين إلى مكتبة الدير دون إبداء أي تفسير. بالإضافة إلى ذلك، أوضح وهبة أن "الباحثين تمكنوا لسنوات من دراسة مخطوطاته بموافقة الرهبان". وأضافت: "مع ذلك، استولت الحكومة على حق الوصول الأكاديمي إلى الموقع عام ٢٠٢٣، وألغت سلطة الدير الراسخة في الإشراف على الأبحاث". ولم يوافق النظام الحكومي على أي طلب بحث منذ ذلك الحين، وفقًا لوهبة.
ورغم إصرار بدر عبد العاطي، وزير الخارجية المصري، على أن القرار لا ينتهك الحرية الدينية للدير، إلا أن وهبة كتبت: "ليس هذا هو المهم". وكتبت وهبة: "لا تحتاج الدولة إلى طرد الرهبان أو منع الصلاة تمامًا لتقويض الحرية الدينية للمسيحيين". "من خلال تأميم الموقع وعزله عن البحث العالمي والمجتمعات الدينية التي دعمته طويلًا، فإن الحكومة تفصل الدير فعليًا عن هويته ووظيفته.إن المخاطر هنا تتجاوز بكثير موقعًا مقدسًا محددًا".
يُعدّ دير سانت كاترين مؤشرًا على اتجاه أوسع في مصر، حيث تُضمّ الدولة تدريجيًا المؤسسات الدينية غير السنية. إذا استطاعت الحكومة استيعاب دير بهذا التاريخ والمكانة الدولية والأهمية الدينية، فلن تكون أي مؤسسة دينية مستقلة في مأمن.
وأكدت وهبة أنه على الرغم من أن المسيحية دين محمي قانونيًا، إلا أن القاهرة سمحت لسنوات بتنامي "ثقافة الإفلات من العقاب" حيث يُعاني المسيحيون من الهجمات ولا يُحاسب الجناة؛ علاوة على ذلك، هناك وباء اختطاف للنساء والفتيات القبطيات يتجاهله المسؤولون المصريون بشكل روتيني، وفقًا لوهبة.
وأشارت أيضًا إلى تقرير صدر في شباط / فبراير 2025 عن اللجنة الأمريكية للحريات الدينية الدولية بعنوان "القيود الحكومية على الحرية الدينية في مصر". وينص التقرير على أن "مصر لا تزال تفرض عقبات منهجية ومستمرة على حرية الدين أو المعتقد على الأقليات الدينية".
وفي معرض حديثها عن المخاطر التي تحملها نتيجة صراع الدير على الولايات المتحدة، أشارت وهبة إلى أن الشراكات بين الباحثين الأمريكيين والمؤسسات العاملة مع الدير "أصبحت الآن في طي النسيان". وأوضحت: "وفقًا للقانون المصري، إذا لم يعد الدير كيانًا قانونيًا معترفًا به، فلا يمكنه التعاقد أو الشراكة مع مؤسسات أجنبية". "قرون من التراث الفكري والديني معرضة لخطر الضياع".
وفي معرض حديثها عن العوامل التي قد تضغط على مصر لتغيير مسارها، أشارت وهبة إلى أن الولايات المتحدة تقدم لمصر 1.4 مليار دولار كمساعدات عسكرية سنويًا، ويتوقف جزء منها على تعزيز مصر لحقوق الإنسان. كما أنها تستند إلى اتفاقية تنص على أن الحكومة الأمريكية ستقيّم مدى حماية مصر للحرية الدينية والأقليات.
وكتبت وهبة: "هذه الالتزامات ليست رمزية، بل هي قانون مُدوّن يهدف إلى عكس القيم الأمريكية في المساعدات الخارجية".
"إن تأميم أحد أقدس المواقع المسيحية بهدوء ودون عواقب يُثير تساؤلات حول مدى جدية كل من القاهرة وواشنطن في التعامل مع هذه الشروط".
واختتمت قائلةً: "الحرية الدينية لا تتلاشى بين عشية وضحاها، بل تتآكل تدريجيًا حتى تصبح الأماكن المقدسة مجرد حواشي لسلطة الدولة. هذا هو الخطر في سانت كاترين. إذا كانت الولايات المتحدة جادة في حماية التعددية الدينية والحفاظ على التراث الثقافي المسيحي، فالآن هو الوقت المناسب للتحرك. ليس للحزن على ما فات، بل للدفاع عما تبقى".