ما أجمل أن يبدأ الإنسان نهاره برؤية من يهوى، وما أبهى أن تُفتتح الساعات الأولى من اليوم بوجه يختصر الدنيا كلها في ابتسامة، أراها في كل صباح، فأكاد أنسى ثقل الأمس ومشقّة البارحة، كأن حضورها طقسٌ مقدّس يعيد ترتيب فوضاي الداخلية ويقيم ميزان يومي على اعتدال.
إنها ليست مجرد عابرة طريق أصادفها عَرَضا، بل هي الملمح الأول الذي تتفتّح به عيناي كما تتفتّح الأزهار على قطرة ندى، حين تقع عيناي عليها، أشعر أنني قد اغتسلت من غبار الحياة وأن النقاء عاد ليزرع في داخلي طمأنينةً لا تفسير لها، وكأن عيني حين تكتحل برؤيتها تصبح نافذةً مفتوحةً على عالم أكثر رحابة، أكثر صدقا، أكثر صفاءً.
تلك اللحظة الصغيرة التي لا تتجاوز ثوانٍ معدودة تصبح في حقيقتها عمود يومي، بها أستقيم، وبها أبدأ خطواتي بثقة ورضا، إن غابت تلك النظرة غاب معها توازني، كأنني أعيش نهارا مبتورا، ناقص الروح، معطّل النبض، وما أقسى نهارا لا أراها فيه، كأنه طريق بلا ملامح أو كتاب بلا كلمات.
في كل صباح، يتكرر المشهد ذاته، لكنه لا يفقد دهشته أبدا، كيف لأمر مألوف أن يبقى عجيبا؟ كيف لرؤية اعتدتها أن تستمرّ في إدهاشي؟! السرّ ليس في اللحظة ذاتها، بل في الحضور الذي تحمله، في البصمة التي تتركها في داخلي، في ذلك الانبعاث الجديد للحياة الذي يرافقها.
ربما لا تدري هي ما تصنعه فيَّ، وربما لا تعلم أنها تمنحني جرعة من الأمل أستطيع بها أن أقاوم ضجيج العالم وتعبه، ربما تجهل أنها تصير مرآةً أرى من خلالها نفسي في أفضل حالاتها، وأنها، ببساطة، السبب الذي يجعلني أبتسم دون سبب ظاهر.
أراها في كل صباح، فينعدل يومي كله، وينتصب قلبي قائماً كما لو أنه أقيم من كبوة، كأنها تصالحني مع العالم، مع الناس، مع تفاصيل الحياة الصغيرة، ولعلّ أعظم ما فيها أنها لا تفعل ذلك عن قصد، بل ببراءة الحضور وحده.
إنها الصباح حين يتجسد في إنسان، هي الضوء الذي لا يأتي من الشمس وحدها بل من نقاء الروح، هي النغمة التي يبدأ بها يومي فيتحوّل الإيقاع كله إلى سيمفونية متناسقة.
وهكذا، لا أملك إلا أن أحمد الله سرّا، وأقول في نفسي: ما أسعدني أن يكون في حياتي صباحٌ يتزين برؤيتها، وما أكرم القدر حين يجعل من لقاءٍ عابر طقساً ثابتاً يعيد لي كل يوم معنى الحياة.