
متطوعان بالجيش الروسي قرب الحدود الأوكرانية، 24 مايو 2025 (سيرغي بوبوك/ فرانس برس)
عشتارتيفي كوم- العربي الجديد/
تحاول السلطات العراقية مواجهة ظاهرة تجنيد آلاف العراقيين في القتال لصالح الجيش الروسي في الحرب مع أوكرانيا بعدما اتجهت إلى تشكيل لجنة لمتابعة المتورطين بالمشاركة في الحرب واسترجاعهم بعدما وصلوا إلى روسيا بطرق مختلفة وعبر وسطاء عراقيين، فيما يشعر معظمهم بأنهم تورطوا وجرى خداعهم، في حين تشير معلومات غير رسمية إلى مقتل أعداد كبيرة منهم.
وقال مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، إن "مئات العراقيين ينخرطون في الحرب الروسية الأوكرانية، وقد شُكّلت لجنة لإعادتهم"، مبيناً في تصريحات للصحافيين أمس الخميس ببغداد أنه "تم تشكيل لجنة من قبل رئيس الوزراء (محمد شياع السوداني) من الجهات المعنية لمتابعة ملف العراقيين في الحرب الروسية الأوكرانية، وأنها عقدت عدة اجتماعات ورفعت توصياتها، فيما وافق رئيس الوزراء على التوصيات". وأكد الأعرجي أنه "سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق جميع المتورطين في عملية تجنيد العراقيين".
مصدر أمني قريب من الأجهزة الاستخباراتية العراقية، أشار إلى أن اللجنة العراقية الجديدة تسعى إلى الوصول إلى قاعدة بيانات حول الأسماء وآليات التواصل مع المقاتلين العراقيين في روسيا وأوكرانيا من أجل استرجاعهم، موضحاً في تصريح لـ"العربي الجديد" شريطة عدم ذكر اسمه أن "تجنيد الشبان العراقيين جرى عبر قنوات في تطبيق تليغرام، ومعظم الذين يديرون هذه القنوات هم عراقيون يعيشون في روسيا، وأن السلطات العراقية تمكنت من إغلاق بعضها".
ولفت المصدر إلى أن "نسبة نجاة المقاتلين العراقيين لا تتجاوز 5%، لأن الجيش الروسي يقدم على وضع المرتزقة في مقدمة الجبهات وجعلهم خط الصد الأول، ليقاتلوا خط الصد الأوكراني"، موضحاً أن "معظم الذين قتلوا من العراقيين في الحرب الروسية، لم يتم التوصل إلى جثثهم، لأنهم قتلوا في مناطق واسعة وعبر الطيران المسيّر".
وتواصل "العربي الجديد"، مع مصادر أمنية تتابع ملف تجنيد العراقيين في الحرب إلى جانب روسيا ضد أوكرانيا، وقالت إن "مكاتب وشركات في محافظات مثل البصرة وذي قار وميسان سبق لها وأن تمكنت من إصدار تأشيرات دخول العراقيين إلى روسيا بالتنسيق بين السفارة الروسية ببغداد والسفارة العراقية في موسكو، وقد تحمل المسافرون تكاليف سفرهم وكانوا على علم بأنهم ذاهبون إلى وحدات عسكرية استعداداً للالتحاق بالجيش الروسي". وقالت إن "راتب المقاتل العراقي في الجيش الروسي لا يزيد عن 2000 دولار، وعادة ما يتم وضع العراقيين في معارك قاسية وفي مناطق شاسعة".
وأكملت المصادر، أن "العقد العسكري الذي يوقعه العراقيون مع الجيش الروسي يتضمن حصول عائلة المقاتل الذي يُقتل على مبلغ مالي لا يتجاوز 20 ألف دولار، وأن غالبية العراقيين الذين التحقوا بالجيش الروسي كانوا على علم بأنهم سيكونون حطباً لحرب قاسية لكن الحاجة إلى المال على الأغلب دفعتهم إلى هذه الخيار". وأضافت "كما يتضمن العقد مع الجيش الروسي حصول المقاتلين العراقيين على قطعة أرض داخل روسيا، بعد انقضاء عام كامل على الخدمة، إلا أن الواقع أثبت أن لا أحد يستطيع تحمل الحرب الروسية الأوكرانية لأكثر من شهرين، لأنها قاهرة وظروفها صعبة، وغالبيتهم تعرضوا لإصابات شديدة، وأن كثيراً منهم قتلوا ولم يتم التوصل إلى جثثهم".
وفي سياق التحركات الرسمية، اجتمع الأعرجي مع رئيس مجلس القضاء في العراق، فائق زيدان، الأربعاء الماضي، الذي حذر "الأشخاص الذين ينضمون إلى صفوف جيوش الدول الأخرى دون إذن"، معتبراً أن "عقوبتهم السجن.. لأن قانون العقوبات العراقي يُعاقب كل من ينضم إلى القوات المسلحة لدولة أخرى دون موافقة الحكومة، بالسجن". والأسبوع الماضي، قضت محكمة جنايات محافظة النجف (جنوب العراق)، بالسجن المؤبد عن "جريمة الاتجار بالبشر" بحق مواطن عراقي أدين بالانتماء إلى "عصابة إجرامية دولية" تقوم بتجنيد مواطنين عراقيين للقتال مع روسيا في حربها ضد أوكرانيا.
وسبق أن صرح السفير الروسي في العراق إلبروس كوتراشيف، حول مشاركة العراقيين في صفوف جيش بلاده قائلاً: "هذه الحالات موجودة، لكنها فردية وحجمها ليس بالقدر الذي يحاول البعض الترويج له"، مؤكداً أن سفارته "منحت تأشيرات دخول عدة مرات لأقارب العراقيين الذين قتلوا وهم يقاتلون في روسيا، وذلك لاستلام جثثهم".
وفي وقت سابق، أعلن مستشار رئيس الوزراء العراقي حسين علاوي، أن "بغداد تتابع عن كثب تجنيد عراقيين في الجيش الروسي، وأن نحو 5000 عراقي تم تجنيدهم في الجيش الروسي"، مبيناً في تصريحات صحافية، أن "بغداد تتبادل البيانات مع روسيا بشأنهم، كما أن العراق يتخذ إجراءات مع موسكو لمنع تجنيد العراقيين بالجيش الروسي".
وخلال الأشهر الماضية، ظهرت عشرات المقاطع المصورة لشبان عراقيين بزي عسكري في أوكرانيا، ما أثار ضجة إعلامية واسعة في العراق حول وجودهم يقاتلون في صفوف الجيش الروسي، وظهر بعضهم في مواقع قتال خطيرة، فيما تداول ناشطون مقاطع أظهرت عشرات التوابيت التي تحمل أسماء وألقابا عراقية لمقاتلين لقوا حتفهم في مناطق روسية وأوكرانية، ما دفع عددا من المنظمات وأعضاء في مجلس النواب إلى فتح ملف تجنيد العراقيين، ليتضح فيما بعد وجود شبكات ووسطاء عراقيين أغروا الشبان الذين ينحدرون في معظمهم من مناطق جنوب العراق، برواتب مغرية.
وسبق أن حذرت السفارة العراقية في روسيا، من "توريط" شباب عراقيين في المشاركة في الحرب الروسية الأوكرانية في صف موسكو. وقالت السفارة في بيان سابق إنها "لا تصدر مطلقاً أي سمات دخول مرتبطة بمثل هذه الادعاءات المضللة، والجهة الوحيدة المخولة إصدار سمات الدخول إلى الأراضي الروسية هي سفارة روسيا الاتحادية في بغداد وقنصلياتها في أربيل والبصرة حصراً".
من جهته، بيَّن الباحث في الشؤون الأمنية والسياسي بالعراق، سرمد البياتي، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن اللجنة العراقية تسعى إلى استرجاع المنخرطين من العراقيين في الحرب الروسية الأوكرانية بالإضافة إلى ملاحقة الذين يجندون العراقيين لهذه الحرب ومحاسبتهم. ولفت إلى أن من ينخرط في هذه الحرب "يخرق القانون في ثلاثة أشكال، الأول هو خرق للدستور العراقي الذي يمنع التدخل في شؤون الدول، وخرق قانوني صريح يتمثل بتجريم القتال خارج الأراضي العراقية، بالإضافة إلى خرق قانون مكافحة الإرهاب العراقي، بالتالي فإن القضاء العراقي لن يتساهل مع هؤلاء أبداً".
وأردف البياتي "الجهود العراقية أسفرت عن الحصول على عدد من جثامين بعض المنخرطين في صفوف الجيش الروسي، وللأسف فإن الوضع الاقتصادي الصعب في بعض المناطق وعند بعض الشرائح العراقية، هو الذي دفع الشباب إلى القتال في الخارج للحصول على المال وهو انعكاس لفشل كل الحكومات التي حكمت العراق".