
عشتارتيفي كوم- بطريركية السريان الكاثوليك/
في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الخميس ٢٥ كانون الأول 2025، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بقداس عيد ميلاد الرب يسوع بالجسد، وذلك على مذبح كنيسة مار اغناطيوس الأنطاكي، في الكرسي البطريركي، المتحف – بيروت.
عاون غبطتَه المونسنيور حبيب مراد، والأب كريم كلش، وخدم القداس بعض الشمامسة من طلاب إكليريكية سيّدة النجاة البطريركية - الشرفة، ومن إرسالية العائلة المقدسة للمهجَّرين العراقيين في لبنان، بحضور ومشاركة جموع غفيرة من المؤمنين الذين قَدِموا ليشاركوا في القداس ويهنّئوا غبطته بالعيد، من مختلف رعايا أبرشية بيروت البطريركية ومن إرسالية العائلة المقدسة.
في بداية القداس، أقام غبطته الرتبة الخاصّة بعيد الميلاد بحسب الطقس السرياني الأنطاكي، وفي نهايتها، رنّم غبطته الإنجيل المقدس من بشارة القديس لوقا، ثمّ أضرم ناراً في موقدة وُضِعَت في وسط الهيكل، وزيّح فوقها الطفل يسوع. بعدئذٍ طاف غبطته في زيّاح حاملاً الطفل يسوع، يتقدّمه الكهنة والشمامسة والأطفال، فيما الجوق ينشد تسبحة الملائكة "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر"، وترانيم الميلاد، ليوضَع بعدها الطفل يسوع في المكان المرموز به إلى المذود في المغارة التي نُصِبَت داخل الكنيسة.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، بعنوان "كلّ من سمع وعاين تعجّب"، استهلّ غبطة أبينا البطريرك كلامه بتحيّة المعايدة الميلادية "وُلِدَ المسيح... هللويا"، متوجّهاً إلى جميع المشاركين في هذا الاحتفال الروحي المبهج، قائلاً: "نعم، أيّها الأحبّاء، نعيّد اليوم عيد ميلاد الرب يسوع بالجسد، ونندهش لهذه المعجزة التي تفوق إدراكنا كلّنا، أن يتنازل كلمة الله ويتأنّس ويحلّ بيننا بشراً كاملاً. هذا هو سرّ التجسُّد، سرّ ميلاد كلمة الله في أحشاء مريم العذراء بقوّة الروح القدس لكي يخلّصنا".
ولفت غبطته إلى أنّنا "اليوم نشاهد ونسمع، أكان في التلفزيونات والإذاعات أو وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي، أنّ عيد الميلاد أصبح عيداً عالمياً. الجميع يتكلّمون عن ميلاد الرب يسوع، البعض عن إيمان وثقة أنّ الرب لم يترك شعبه ولم يترك العالم المتخبِّط بالظلمات، والبعض يفكّرون فقط أنّ الميلاد مناسبة للتسوُّق. لكن بالنسبة إلينا، علينا أن ندرك أنّ هذا الحدث الذي حصل في الماضي قبل 2025 سنة، ليس حدثاً تاريخياً عابراً. إنّه سرّ لا نزال نعيشه، وعلينا أن نعيشه، أنّ الله صالح السماء والأرض بميلاد المخلّص. صحيح لا نزال نعيش بضعفنا البشري، ولا نزال نختبر سقطاتنا وخطايانا، لكنّه أعطانا الرجاء أنّه مهما كانت ظروف حياتنا، ومهما كانت خطايانا وضعفنا البشري، فالرب يسوع جاء كي يبشّرنا بالرجاء، وبالسلام الحقيقي النابع من القلب، وبالمحبّة".
ونوّه غبطته بالزيارة التاريخية الراعوية والرسمية لقداسة البابا لاون الرابع عشر إلى تركيا ولبنان: "جاء قداسة البابا إلينا وزارنا منذ بضعة أسابيع حاملاً إلينا السلام، هذا السلام الذي نحتاج إليه كلّنا، ليس فقط السلام بين الدول، بل أيضاً السلام في قلوبنا ونفوسنا وعائلاتنا، أن نعي كيف نعيش المحبّة، ليس فقط بالأغنيات والأناشيد والرقص، إنّما يجب أن نعيش المحبّة بالتسامح الحقيقي. نعرف أنّنا كلّنا بشر، وأنّنا كلّنا مدعوون أن نعيش كأبناء وبنات الله، فعلينا أن نسامح بعضنا. لا نقول هذا الأمر كي نخيفكم، ولكن للأسف، الأزمات العائلية تزداد، لماذا؟ هل الله موجود أم لا؟ إنّه موجود طبعاً، ولكنّه يحترم حرّيتنا، وللأسف فقد خفّ الصبر والتسامح والتفاهم كثيراً، ونعتقد دائماً أنّ الحقّ معنا، وأنّ غيرنا على خطأ".
وتوجّه غبطته "إليكم، أيّها الأحبّاء، أنتم الذي تسعون جميعكم أن تعيشوا حسبما يطلب منّا الرب بروح حقيقية، ونحن نشكركم لحضوركم في هذا اليوم، أنتم القادمين من أماكن مختلفة في لبنان من كنيستنا السريانية، وأنتم القادمين أيضاً ونحبّكم كثيراً، ولئن نسمّيكم مهجَّرين، ولكنّكم في قلبنا، أنتم الذين تضطرّون للبقاء هنا بعدما غادرتم أرضكم في العراق. نسأل الرب يسوع، رئيس السلام، وأمير السلام، أن يمنحنا حقيقةً نعمة السلام ونعمة المحبّة الحقيقية التي تقود إلى السلام".
وتضرّع غبطته "إلى الرب، بجاه ميلاده المجيد، أن يشفق على لبنان الذي يكفيه ما يعانيه من أزمات ومشاكل واحتياجات للسلام والتفاهم الحقيقي، لبنان لا يحتاج أن يشحذ السلام من غيره، من بلاد خارجية. لبنان يسعى أن يكون السلام الحقيقي على أرضه، لأنّ هذا البلد، بالرغم من صغره، يجمع الكثير من الأديان والطوائف والمذاهب والقوميات، كي يكون مثالاً للآخرين، كيف يبني السلام الحقيقي بين جميع المواطنين".
وشدّد غبطته على أنّنا "ندعو إلى الرب كي يشفق على لبنان وينهي هذه الأزمة التي طالت، ويجب على كلّ لبناني ولبنانية أن يدرك أنّ لبنان يحتاج إليه وإلى صدقه ووفائه وهمّته، كي يبني اللبنانيون السلام معاً، فلا يفكّرون بما يُسمَّى هنا وهناك بالحرب أو بالمقاومة أو بالعداوة، بأنّها ستبني سلاماً حقيقياً في هذه المنطقة. اللبناني الحقيقي يبني السلام بالمحبّة والمسامحة والإنفتاح، لأنّ الله هو للجميع، ولا يحتاح إلى أحد كي يدافع أو يقاوم عنه".
وابتهل غبطته إلى "الرب يسوع المولود اليوم في بيت لحم، والذي يدعونا أن نجدِّد إيماننا وثقتنا به، كي يحمي لبنان وعائلاتنا وبلداننا في الشرق الأوسط، ويحمي كلّ من يسعى أن يبني بلد السلام، أكان الحكومات النزيهة، أو الشعب الذي يجاهد بكلّ صدق كي يقوم لبنان وينهض من أزماته. هذا ما نرجوه من الرب، بشفاعة والدته مريم العذراء التي أعطتنا إيّاه أكبر نعمة في العالم، حتّى نستطيع أن نكون، نحن أيضاً، شعبه وأصدقاءه ومحبّيه".
وختم غبطته موعظته بالقول: "في هذه المناسبة، نعايد بعضنا، ونعايدكم جميعاً، ونعايد جميع الإخوة الأساقفة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الذين يخدمون في كنائسنا، أكان في لبنان، أو في بلدان الشرق الأوسط، أو في بلدان الإنتشار حيث تغرّب الكثير من المؤمنين. نطلب من الرب أن يباركهم، ويبارك خدمتهم، ويجعلهم مثال الخدّام الأمناء".
وقبل نهاية القداس، وجّه المونسنيور حبيب مراد كلمة تهنئة بنوية إلى غبطته، باسم جميع الحاضرين، سائلاً الله أن يديمه بالصحّة والعافية والعمر الطويل، ويحفظه راعياً صالحاً للكنيسة في هذه الأزمنة الصعبة، بل خير راعٍ لهذه الرعية المخلصة لراعيها، مقدّماً التهنئة للجميع بهذه المناسبة المبارَكة، ومتمنّياً أن يشرق نور مولود بيت لحم الإلهي في عتمة شرقنا المعذَّب ويمنحنا السلام والاستقرار.
وبعدما منح غبطة أبينا البطريرك البركة الختامية، تقبّل غبطته تهاني المؤمنين بمناسبة هذا العيد المجيد في الصالون البطريركي، في جوّ من الفرح الروحي.