عشتار تيفي كوم – آسي مينا/
بقلم: سهيل لاوند
قبل عشر سنوات، وتحديدًا في 21 أغسطس/آب 2015، خطّ تنظيم «داعش» واحدة من أبشع صفحات العنف في سوريا، حين دمّر دير مار إليان التاريخي في القريتين-ريف حمص وأحكم قبضته على المدينة، فارضًا على مسيحييها القهر والذل.
اليوم، يستعيد المطران يوليان يعقوب مراد، راعي أبرشيّة حمص وحماة والنبك وتوابعها للسريان الكاثوليك عبر «آسي مينا» تلك الذكريات التي تضجّ بالألم، لكن أيضًا بالإيمان والصمود.
عاد المطران وأبناء رعيته إلى القريتين في الأول من سبتمبر/أيلول بعد قرار من زعيم التنظيم (أبو بكر البغدادي)، لكنهم وجدوا أنفسهم بين نارين: سلطة داعش الذي فرض على المسيحيين «عقد الذمة» بشروط مهينة؛ وقصف الطيران الحكومي الكثيف. «شعرنا بأنّنا في الجحيم، نحتمي بالأقبية طوال النهار والليل»، يضيف مراد.
بعد أيام، وبشكل سرّي احتفل مراد بأول قداس في قبو شقة. ويقول: «إنه القداس الأول لي بعد أربعة أشهر. كان شعورًا استثنائيًّا بالشجاعة. الفضل بذلك يعود إلى العذراء مريم، فصلاة المسبحة لم تفارقني منذ لحظة اختطافي. إحساسي بقربها مني منحني سلامًا داخليا فاق لحظات الألم والخطر والتعذيب». أما القداس الثاني فكان في 9 سبتمبر/أيلول، احتفالًا بعيد مار إليان، وعمَّد فيه مراد ثلاثة أطفال، أحدهم وُلِد في الأسر.
قرار الهروب
مع اشتداد قصف الطيران الحربي في أكتوبر/تشرين الأول، أدرك مراد أنّ البقاء يعني الموت. فقرّر بعد صلاة وتفكير الهرب، وعرض الفكرة على أحد الأصدقاء المسلمين فقال له: «أنا معك حتى الموت». استقلّا دراجة نارية إلى بلدة صدد، ومنها إلى حمص. ثم تواصَل التعاون مع الأصدقاء «المسلمين» لتهريب بقية الأسرى المسيحيين.
يُخبر مراد: «استطعنا تحرير نحو 58 شخصًا في يوم واحد. ومع حلول عيد الميلاد، كان معظم مسيحيي القريتين نالوا الحرية، باستثناء نحو 21 شخصًا قضوا بسبب القصف أو لأسباب طبيعية. وشهد يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني مجزرة بعد قتل 6 مسيحيين مع خمسة من المسلمين كانوا يساعدونهم في مغادرة المدينة، في إحدى المزارع بعد مداهمتها من القوات الحكومية».
عودة مار إليان
يشير مراد إلى أنّ «تنظيم داعش جرف المقام والقسم الأثري من الدير فدُمّر بشكل شبه كامل، فيما لا تزال غرفه موجودة لكنها أُحرقت مع الكنيسة، ومع كتب مكتبة الدير. إلا أنّ عظام القديس إليان والرهبان نجت، فنقلناها إلى حمص ثم أعدناها عام 2022 إلى الدير بعد ترميمه جزئيًّا وإعادة تكريسه. وكان لافتًا طلب مسلمي المدينة حينها تنظيم زياح لعظام القديس بهدف مباركتها».
يُذكر أنّ عمليات ترميم الدير (المؤسَّس في القرن الخامس) متوقفة حاليًّا. لكنّه يحظى باهتمام نحو 25 مسيحيًّا صامدين في المدينة، ويتردّد إليه بين فترة وأخرى رهبان دير مار موسى الحبشي (جماعة الخليل).