قداسة البطريرك مار كيوركيس الثالث يونان يترأس قداسًا احتفاليًا بعيد تجلي ربنا ومخلصنا يسوع المسيح - كنيسة السيدة العذراء مريم في عنكاوا      مع استمرار التهديدات في نينوى.. المسيحيون يجدون الأمان في كوردستان      ‎قداسة البطريرك مار افرام الثاني يلتقي وزير الشؤون الاجتماعية والصحة العامة في السويد      بعد عقد على تدمير ديرها… «القريتين» السوريّة من الأَسر إلى النجاة      كوردستان تنتقد قرارات وزارة الهجرة العراقية: محاولة لتغيير ديموغرافي في مناطق المسيحيين والإيزيديين      قداسة البطريرك مار آوا الثالث يستقبل الدكتور ميشيل عبس الامين العام لمجلس كنائس الشرق الاوسط      ‎قداسة البطريرك مار افرام الثاني يترأس صلاة المساء في كنيسة القديسة صوفيا في يونشوبينغ      البطريرك ساكو يختم الرياضة الروحية لأساقفة وكهنة العراق بالقداس الاحتفالي      دمشق تسعى لاسترضاء المسيحيين وسط جدل ودور روسي محتمل      بين الجبال والبحر: اللاذقية بعد سقوط الأسد وموجة العنف الطائفي      اكتشاف صيني يكشف سر ثوران براكين القمر في "سنواته الأخيرة"      على هامش أعمال الأسبوع المسكوني الذي استضافته العاصمة السويدية.. الكاردينال ألبوريليوس يقول إن المؤمنين قادرون على العمل معاً من أجل السلام      جفاف شط "بولحيا" في ذي قار.. كارثة بيئية تدفع الأهالي إلى النزوح      آلية جديدة لتبادل المخالفات المرورية بين إقليم كوردستان وبقية محافظات العراق      "واشنطن بوست": البنتاجون يعتزم نشر قوات عسكرية في شيكاجو      حذارِ... التثاؤب المتكرر ليس مجرد ملل أو حاجة إلى النوم      الصيني "جوجون" يفوز ببطولة Street Fighter 6 للمرة الثانية بكأس العالم للرياضات الإلكترونية      شركة هانت أويل الأمريكية تستأنف عمليات إنتاج النفط في إقليم كوردستان      جفاف سد بوكان ينذر بكارثة.. ملايين السكان في إيران والعراق في مواجهة العطش      بالبلوتونيوم المخزّن.. "خطوة نووية" مثيرة للجدل من ترامب
| مشاهدات : 491 | مشاركات: 0 | 2025-08-24 13:43:38 |

إضاءة نقدية موجزة في مجموعة قصصية بعنوان «حب.. وحمص.. وثالثهما نيتشة»

نشوان عزيز عمانوئيل

 

للقاص العراقي جمال الهنداوي رئيس تحرير جريدة اوروك الادبية التي تصدر من وزارة الثقافة والاعلام العراقية... المجموعة صدرت عن دار السرد للطباعة والنشر. 

 

مُقدمة 

 

في زحمة النصوص السردية التي تملأ المشهد الأدبي العربي اليوم، نادرًا ما نصادف عملًا يفرض نفسه منذ عتبته الأولى بوصفه نصًا مختلفًا، متمرِّدًا، غير قابل لأن يُقرأ بالعين ذاتها التي اعتادت على استهلاك القصص التقليدية. مجموعة «حب.. وحمص.. وثالثهما نيتشة» هي من هذا النوع النادر: نصوص تتقصّد أن تخلخل القارئ، أن تضعه في مواجهة مفارقة جارحة، أن تنتزع من بين يديه وهم الاطمئنان إلى الحكاية، لتقدّم له بدلًا عنها مختبرًا للتفكير والدهشة والتهكّم.

على أية حال لا يمكن مقاربة مجموعة «حب.. وحمص.. وثالثهما نيتشة» عبر أدوات القراءة الانطباعية التقليدية، لأن النصوص ذاتها تنطوي على استراتيجية ميتاسردية تقوّض مفهوم الحكاية الكلاسيكية وتعيد تشكيلها في أفق ما بعد حداثي. العنوان، بما يحمله من مفارقة تركيبية تجمع بين الحب كقيمة ميتافيزيقية، والحمص كدالّ سيميائي على اليومي البسيط، ونيتشة كتناص فلسفي عدمي، يشكّل ما يسميه جيرار جنيت عتبة نصية (paratexte) تُوجّه التلقي منذ البداية وتُدخل القارئ في حقل دلالي متوتر، حيث تتقاطع العلامات وتتشابك المرجعيات.

 

إن هذه المجموعة لا تُبنى وفق ثنائية الحدث/الشخصية، بل تقوم على التشظي السردي، أي على بنية تنسف الحبكة الخطية وتستعيض عنها بفضاء مفتوح من الشذرات، التداعيات، والمفارقات. إنها نصوص تهجينية الأجناس، حيث تتقاطع القصة القصيرة مع الشذرة الفلسفية، ومع المقاطع الشعرية، بل ومع البيان التهكمي. وبهذا المعنى، يمكن وصف العمل بأنه ينتمي إلى ما يسميه النقّاد القصة ما بعد القصصية، أي النص الذي يتخطى حدود القصة ليصبح مجالًا للتفكير الفلسفي والجمالي معًا.

 

وظيفة اللغة هنا لا تقتصر على الإحالة (fonction référentielle) بل تتحول إلى ما يسميه رومان ياكبسون الوظيفة الشعرية: أي أن اللغة تصبح غاية في ذاتها، مشحونة بانزياحات تركيبية ودلالية، تخلق بدورها عوالم موازية، وتجعل النص فضاءً للانكسارات لا للاستقرار. هذا الاستخدام الانزياحي للغة يتكامل مع الرؤية الوجودية العبثية التي تسكن النصوص: حيث العالم مفكك، هش، والإنسان كائن يبحث عن معنى في ركام دلالي يتناثر باستمرار. 

 

الكاتب هنا لا يقدّم "قصصًا" بالمعنى الضيق، بل يطرح مشروعًا سرديًا يقوم على ما يمكن تسميته تفجير الأجناس الأدبية من الداخل. فهو يوظّف القصة القصيرة لا كوعاء جاهز، بل كمساحة للتجريب: مساحة تلتقي فيها السخرية بالميتافيزيقا، اليومي بالأسطوري، الفلسفة بالخبز، والضحك بالموت. ومنذ العنوان، ندرك أن القارئ مدعو إلى رحلة غير مأمونة العواقب: الحب بما يحمله من رومانسية وأسطرة، والحمص بما يشير إلى تافه المعاش اليومي، ونيتشة بما يمثله من ثورة فكرية وعدمية كبرى. إن الجمع بين هذه العناصر الثلاثة ليس مزحة لغوية، بل بيان جمالي وفكري معلن.

 

في هذه النصوص، يُصبح اليومي حقلًا فلسفيًا. لقمة الطعام تتحوّل إلى علامة سيميائية على هشاشة الجسد، والضحك إلى أداة معرفية تكشف عبثية الوجود، والحمص إلى استعارة للتفاهة التي تحاصر الإنسان، فيما يُستحضر نيتشة لا كشخصية تاريخية بل كـ تجسيد للتناص الفلسفي، الذي يُستدعى ليهدم كل قيمة مستقرة. اللغة نفسها لا تُستعمل لنقل الحكاية فقط، بل لتفكيكها؛ فهي لغة متوترة، شعرية، زئبقية، مشحونة بانزياحات دلالية تجعلها أقرب إلى نصوص ما بعد حداثية حيث الكتابة موضوعها هو الكتابة ذاتها، والحكاية ليست إلا ذريعة لمساءلة الحكاية.

 

إن مقدمة كهذه لا يمكن أن تُختتم من دون الإشارة إلى أن هذه المجموعة ليست للقراءة الاستهلاكية. إنها نصوص تتطلب قارئًا متورّطًا، قارئًا يشارك في إنتاج النص، قارئًا يرضى بأن يتيه في متاهة الأسئلة بدلًا من أن يُساق إلى إجابات سهلة. وهذا بالضبط ما يجعلها مجموعة مغرية: فهي لا تقدّم المتعة في معناها السطحي، بل تقدّم متعة أكثر عمقًا وخطورة: متعة التفكير عبر السرد، متعة اكتشاف هشاشة العالم في مرآة أدبية متشظية.

 

ولعل قصة «حب.. وحمص.. وثالثهما نيتشة» تمثل قلب المجموعة، لأنها تختزل هذا التوتر بين المعنى والعدم، بين الجدية والفكاهة، بين الحب كقيمة سامية والحمص كرمز مبتذل، وبين نيتشة كصوت فلسفي يعلن انهيار القيم. إنها ليست قصة بالمعنى التقليدي، بل شذرة ميتاسردية؛ إذ تحكي وتفكك الحكي في الوقت نفسه، وتكشف أن السرد ذاته صار موضوعًا للسخرية والتأمل.

منذ اللحظة الأولى، حين يواجه القارئ عنوان مجموعة «حب.. وحمص.. وثالثهما نيتشة»، يجد نفسه داخل حقل دلالي متوتر، تتجاور فيه ثنائية المتعالي واليومي، المقدس والمدنس، الفلسفي والبدائي. العنوان نفسه ليس مجرد تسمية اعتباطية، بل هو استراتيجية نصية ترسم أفق التلقي، إذ يشي منذ البداية بطبيعة المشروع السردي: تفجير القصة القصيرة من الداخل، وتفكيك ثوابتها الجمالية عبر إدخال عناصر تهكمية وأخرى فلسفية في بنية النصوص.

النصوص تفكك معنى الحب، الحياة، والموت، لتكشف أن هذه المفاهيم ليست خلاصًا، بل قناعًا هشًّا يخفي العدم.

 

الشخصيات – حين تحضر – ليست كيانات درامية بل أصوات وهواجس تعكس قلق الإنسان وتيهه.

إن هذه الجدلية بين السامي والسطحي، الروحي والمادي، الفكري والمعيشي، لا تقتصر على العنوان، بل تشكّل العمود الفقري للمجموعة كلها. وبهذا المعنى، فإن القارئ لا يواجه نصوصًا تحكي حكايات مكتملة الأركان، بل يواجه نصوصًا تُصرّ على التشظي، وتعلن بوضوح أنها ليست في خدمة الحدث بقدر ما هي في خدمة السؤال: سؤال المعنى، سؤال القيمة، سؤال الحضور الإنساني في عالم مفكك.

 

المجموعة مشبعة بظل نيتشوي واضح: الرفض للقيم المطلقة، السخرية من المسلمات، وإعادة الاعتبار للغريزة والجسد، مقابل نقد العقلانية الزائفة. وفي ذلك إشارة إلى أن النصوص ليست مجرد حكايات، بل هي مواقف فكرية تتخذ من القصة القصيرة وسيلة للتعبير. كما أنّ التوتر بين "الحب" و"الحمص" يعكس التناقض الدائم بين السموّ الروحي والابتذال المادي، وكأن الكاتب يريد القول إن الإنسان كائن يتأرجح بين هذين القطبين بلا خلاص.

 

مثلاً نقرأ في أرصفة الوجع

 

 

 

> «أمشي وحيدًا فوق أرصفة لم تعرف غير أقدام الهاربين، أفتش بين شقوقها عن بقايا وجوه لم يعد لها مكان».

 تعليق: العنوان والنص معًا يحيلان إلى الاغتراب، حيث الرصيف مسرح للخذلان الإنساني.

 

 

 

  1. العطر

 

 

 

> «ظلّت رائحة عطرها عالقة في يدي، كأنها آخر ما تبقى من حكاية لم تكتمل».

 تعليق: العطر رمز للذاكرة الحسية وللزوال، يفضح هشاشة الحب أمام الفناء.

 

ونقرأ مثلا في //خيوط القلب //

كيف ان أم مهدي تجلس منحنية أمام ماكينة الخياطة العتيقة.. تغرز الإبرة في القماش مثل من يرتق العمر 

 

 

عند إغلاق صفحات «حب.. وحمص.. وثالثهما نيتشة»، لا يغادر القارئ عالم النص مطمئنًا أو متصالحًا، بل يغادره مثقلًا بالتساؤلات، مدفوعًا إلى إعادة النظر في أبسط الأشياء: الحب، الطعام، الضحك، الموت. وهذا الإرباك الذي يُخلّفه العمل ليس عرضًا جانبيًا، بل هو الغاية ذاتها. فالنصوص لا تهدف إلى تثبيت المعنى بل إلى زعزعته، لا إلى تقديم حكاية بل إلى تفكيك الحكاية، لا إلى التسلية بل إلى توليد الوعي.

 

إن هذه المجموعة تقترح على القصة القصيرة العربية أفقًا جديدًا؛ أفقًا يحرّرها من وظيفتها التمثيلية والاجتماعية، ويعيد تعريفها كفضاء مفتوح للتجريب الجمالي والفلسفي. فهي، بذلك، تنتمي إلى ما يمكن تسميته بـ السردية العبثية التأملية، حيث يتجاور الهزل بالجد، اليومي بالميتافيزيقي، الفلسفي بالمعاشي. وقد يكون أعظم إنجاز لها أنها تجعل القارئ شريكًا حقيقيًا: شريكًا في الحيرة، في الضحك الممزوج بالوجع، في البحث عن المعنى وسط الركام.

 

إنها مجموعة تُؤكّد أن الأدب، حين يكون صادقًا مع نفسه، ليس مرآة للواقع، بل كسرٌ لتلك المرآة، صدعٌ يكشف المستور. إن الحمص هنا ليس غذاءً بل استعارة، والحب ليس خلاصًا بل سؤالًا، ونيتشة ليس فيلسوفًا بل صوتًا داخليًا يضحك من كل ما نظنه راسخًا. ومن خلال هذا المزج الفريد، تُقدّم النصوص صورة الإنسان المعاصر: هشًّا، متردّدًا، ضاحكًا في مواجهة الموت، وممسكًا بفتات المعنى في عالم مفكّك.

 

بهذا المعنى، فإن «حب.. وحمص.. وثالثهما نيتشة» لا تُقرأ مرة واحدة، ولا تُستهلك بسهولة، بل تُعاش وتُستعاد. إنها نصوص تُربك وتُثير وتُسائل، وتجعل من القراءة نفسها تجربة وجودية: أن نقرأ يعني أن نُعيد اكتشاف عبث العالم، أن نضحك على موتنا، وأن نحاول – رغم كل شيء – أن نحب، ولو كان الحب نفسه قناعًا آخر للعدم.

ختاما النصوص تستفز القارئ، تخلخله، وتدعوه إلى ممارسة القراءة بوصفها فعلًا وجوديًا: أن يقرأ يعني أن يشارك في تفكيك العالم، في الضحك على المأساة، في اكتشاف العدم بين لقمة حمص وشذرة فلسفية.

 

إنها نصوص لا تتركنا كما كنا، بل تحاول أن تغيّر وعينا بالعالم، بالأدب، وبالذات. ومن هنا، فإن قوتها لا تكمن في تقديم الإجابات، بل في أنها تُحوّل الأسئلة ذاتها إلى تجربة جمالية. إنها الأدب في أصدق تجلياته 

 

 

نشوان عزيز عمانوئيل

ستوكهولم 

 












أربيل - عنكاوا

  • رقم الموقع: 07517864154
  • رقم إدارة القناة: 07504155979
  • البريد الألكتروني للإدارة:
    [email protected]
  • البريد الألكتروني الخاص بالموقع:
    [email protected]
جميع الحقوق محفوظة لقناة عشتار الفضائية © 2007 - 2025
Developed by: Bilind Hirori
تم إنشاء هذه الصفحة في 0.7040 ثانية